موتٌ أضاعَ ربطةَ عنقهِ | مرح مجارسة

العدد 224 | 27 كانون1 2017

الجندي يُجرِّر هيكلهُ ويعيدُ ترتيبَ أمعائه في رحم الهاوية، يتمرغُ في لحى الطريق المبللة بالبصاقِ، ويهزأُ من الأشياء التي تتفسخُ كالأوهامِ وأردافِ النساءِ والأرصفة والبيوتِ التي لا يسكنها إلا الصدى.

يشتمُ قذيفة أكلت كتفهُ، ويبول في الجهات التي تتسعُ كلما داست فوقها أقدامُ الغزاةِ.

الجندي صياد العري المتجعد داخل السقوفِ الحدباء..

: ((لم أعرف مكاناً أكثرَ قفراً من جسدٍ عارٍ في مدينةٍ محمومةٍ بقبورها)).

 يلعقُ الغبارَ المرَّ عن كاحل السريرِ يشدُّ ربطةَ عنقِ الوسادةِ ينامُ كدمعةٍ عابرة..

: ((هو الآن نائمٌ بعينينِ مفتوحتينِ تحت شمسٍ فاجرة، تلعقُ الغربانُ زبدَ فمهِ الطازجِ)).

لحمهُ ورديٌّ شرسٌ

في سروالهِ سماءٌ واسعةٌ

شيّدتها رصاصةٌ وشيّعتهُ..

شيّعتهُ الظلالُ الجالسة على قارعةِ الدرب

شيّعتهُ العذارى الحبالى بالعدم

شيّعتهُ المساءاتُ المنذورةُ على اسم اليبابِ

الحلم المطوي كقميصٍ قديمٍ في خزانةِ الموتى

السماء المشنوقةُ بينَ نهدي فتاة من بورما

شيعهُ جلد مقعده المهترئ

أسنانهُ المتعانقة في فمٍ باردٍ

فلا تنهضوا صاخبينَ كطبولٍ متخمة

ضاربينَ برؤوسكم المقفرة حيطانَ الويلِ

تلوكونَ بأحناككم الهزيلةِ عناقيدَ السُّمّ الخمري

تعرضون أعينكم للبيعِ وتتساقطونُ في جرنِ الفزعِ المزرقِ.

_على إشارة مرورٍ حمراء تتصادفُ ولاداتنا الخاسرة، نتقاذفُ عمراً بالحجارةِ والأعضاء التناسلية.. فتستعيرون أنتم ظهري لتحموا لحمكم البرونزي وعضلاتكم المنتفضة، نتحركُ معاً في مرآةٍ واحدة ولكنها حين تنكسرُ ألملمُ أنا وحدي زجاجَ الكارثة.

جناحان على كرسي الحلاقة, آلامٌ عتيقةٌ تعربدُ في كؤوسِ الصيادين, دمع مقطرُ تذرفهُ سماءٌ أرملةٌ يبللُ الأحذيةَ المطاطيةَ, قبيحاتٌ بأردافٍ عرجاءَ ينتحبن ويدهنَّ أثدائهنَّ باللعابِ والطمث الناشف, مواكب خرفانٍ مخلوعةِ الأكتافِ وتماسيحُ يقشعرُّ دمعها أمام هذا العالم القميء, شموسٌ تأتي متأخرةً تتخبطُ في طيات الشراشفِ, نوافذُ لاحمة أدمغةٌ محشوةٌ بالخرقِ, ركامٌ هزليٌّ لسيركٍ وطنيٍّ, أشلاءُ أثاثٍ متفجرٍ في عتمة الدهاليزِ, رؤوسٌ مهروسةٌ, دَعساتُ غائبينَ, نهارٌ جديدٌ يغتسلُ تحتَ درجِ الأبدِ ويُطمَرُعارياً في التربة, أصابعُ صفراء تتقافزُ هلعاً من بردِ الجيوبِ, مخبولون يؤلفون رواياتٍ جديدة عن حياةٍ عاهرةٍ قفاها أحمرُ وكعبها متقلقلٌ, تمشي بنا مطوقينَ دالقينَ ألسنتنا ككلابٍ, ثم تفردُ نهدينِ مُرَّيْنِ وفرجاً محشواً بالغرقى.

 

خوذٌ جنودٌ سيوفٌ، طبولٌ، علبٌ عتيقةٌ، شموعٌ ذائبة، زوارقُ عالقة في بحيرة متبخرة، حمامٌ عاريٌ منتوفٌ معلقٌ على الأغصانِ، موتى يتسكعون ويشربونَ البيرة، مسوخٌ هائجة تعبثُ بشعرِ الليلِ، طفلةٌ على خدها قبلةٌ دميمةٌ من عقربٍ مقمطٍ بروحِ النبلاء، أرضٌ بورٌ مختنةٌ بينَ فخدي صبيةٍ تتأوهُ ولا ينبتُ فيها قمحُ الشهوةِ.

_أبدأ يومي بكأسِ حليب.. لستُ طفلاً ولا أحاولُ أن أكون ولكني طفلكم الذي حبلت بهِ خيباتكمُ، وتظلون أهلي أيتها الموائدُ النذلة المهروقة في أفواهِ العفنِ، أيها الدمى المتصالبةُ دونَ كلامٍ أو إيماءاتٍ أو حتى نظرٍ زائغٍ..

_يا جبناء.. لا تنبشوا المرايا بحثاً عنكمُ، ولا تغوصوا عميقاً في قبوركم الممغنطة وتزعجوا الديدانَ التي تطوفُ في عروقكم الملبدةِ.

((ها أنا ذا هوَ.. يا لصوص!)).

... ويشبهني فقط كلُّ ما لا يشبهني.. أعملُ كنّاساً للمواعيدِ المرميةِ في الشوارعِ المصفرة، شبحٌ تائهٌ في تلاطمِ المراثي، بطنهُ مزنرٌ بالدماملِ المتورمةِ.

((ها أنا ذا.. لم أمتْ!)).

معلقاً أهذي على حائطٍ مضرجٍ بالدماء، يديَّ مدبوغتانِ برحيقِ حشراتكم البربرية، تزحفُ صوبي التوابيتُ وخاصرتي مرميةٌ كفردة حذاءٍ قديمٍ ...

*****

خاص بأوكسجين

شاعرة من سورية.

معلومات الصورة
الصورة من أعمال الفنانة الأمريكية كيت لويس katelewisart.com