متتاليات الحرب و الحب والريح
العدد 216 | 19 تموز 2017
ميشرافي عبدالودود


 

 

شكراً للثورة

شكراً للياسمين المسروق

من عرق أمهاتنا الخاسرات  

من انتظار مزهر لعوانس أرامل 

قبل مجيء أزواجهن المؤجلين

شكراً لثورة أنزلت

حبيبتي التي راودتها طويلاً

من على حبل الغسيل العالي

بمحارم تبعثر الريح العاشقة

زهورها المطرزة

على سطح جيراننا

لا لم أكن شيوعياً يوماً

بيد أني امتلكت قبعة غيفارا

خصلات فوضوية في الريح

رأسمالٍ منقوص من الحب

أطلقته

تيه عصافير في الظهيرة

من دُرج لوعتي

في هبوب الياسمين الشامي

منشقا في شوارع حلب

بزهور نضجت على مهل

تحت نيران من الزئبق

فشاراً يتقرقع عشوائي الأشكال

على حواف فخار ترفعه السوريات

طعاماً مرشوشاً بالملح

للجائعين المتفرجين الذين اقتحموا

فجأة مذهولين

مشهداً مسرحياً انحرف

بالممثلين والمخرج على السواء

على المنعرج الفادح للحب

ممزقين ستارة المسرح

لأن جنرالاً عجوزاً مقعداً

تحول في غرفة الطوارئ

إلى حارس ليلي ملول على أرق الدم

تحت شح أضواء النجوم المزدحمة

لرتبه العسكرية المتعبة

هَمَّ بإشعال لفافة الغضب

من أجل تزجية الوقت

فهبَّ ضباط

يحرسون هذيانه الارتعاشي

بولاعاتهم الذهبية المشتعلة

بفحيح ألسنتها الزرقاء

في فراغ العتمة

دفععععة واحدة

قبل أن تكتشف اليد المتصلبة

فراغ العلبة الفاخرة

الأيادي القوية الكثيرة

تمسك في صلف بشعلات

تَشُبُّ

في إبهاماتها المتكررة   

مضيئة البيوت النائمة

بسقوفها الواطئة

بالاتٍ من القشِّ المبعثر

في بيدر الفجر

على نافذة الحمّى 

ليصيح الجنرال العجوز المقعد

الحارس الملول على أرق الدم

تحت شح أضواء النجوم المزدحمة

لرتبه العسكرية المتعبة

مبحوح التيّار في عموده الفقري

على كرسي الدوّار الطليق

فلتحترقي أيتها المدينة

فلْتحترقي أيتها المدينة

حتى آخر عود قش

في أعشاش الحمام

على سطوح البيوت

هكذا ولدت الح()ب

من علبة خاوية

لطالما

أغلقت على جنون الجنرال

بجوار لفافات الغضب الفاخر

…………………………………………

…………………………………………

 

سامحوني

فليس بمقدوري

أنا الذي لم أرث

من طيبة أمي الدمشقية

سوى لسان ألثغ من القبل

يرقِّق حروف الأبجدية

كما ترقق أرغفة السمسم

ليس بمقدوري

غير أن أستبدل صفير الراء

بتغريد “غين” بطيئة

في فمي السكري

كأني أحشو صافرة الإنذار

بعندليب

تقول ابنة الجيران

– لا أحب الحرب

إلا عندما تعرِّج على لسانك الدمشقي

فتتحول إلى ح()ب عذبة الجرس

أقول لابنة الجيران

– لا لست شاعراً ولا ثائراً

غير أني أحب هذه الح()ب

أتمنى قولها بطلاقة لساني

بطلاقة إيماءات اليد

بسيماء مجنحة الخدود لعبيد ينهمر

قصب السكر تحت ضربات سواطيرهم

مستوفياً صافرات الإنذار

راءً راءً

أحب الح()ب خاطبة محتالة

سعت للجمع بيننا

سعت للجمع بين الجميع

بشتى الطرق والوسائط

سعت للجمع والطرح في آن معاً

لاستيفاء قيس لعنة ليلى

غداة حال الحب دون اللقاء

بلا سبب للتفريق

سوى أن ضربة شمس أطاحت

من علٍ بقوس قزح عاشق

على الرصيف الحائر الخطوات

سوى أن غزارة المعجم

في لسان العرب لا تسهل البتة

العثور

على المصطلح المناسب للحب

في شبكة المصائر المتقاطعة

أحب الح()ب أجراسَ سياقٍ استعجالي

أخرجتنا من أقبية النسيان جسارةَ جرذان

تهرول مشتعلةً تحت سطوع البث المباشر 

وصلت أسلاك توترنا العالي بغرفة نوم الزعيم

صار بوسع الطفولة الشقية التجسس على شحاذ

يضرع إلى وسائد ريش انقلبت على النعاس

يضرع جاثياً إلى حيوان منوي خرّ صريعاً

في حظيرة الجسد للنهوض من جديد

صار بوسع الولد و البنت أن يتقاسما

ثقل جردل الماء المسروق

ليأخذا بالتساوي زينتهما عند كل غارة

بتوجس البراءة من انقضاء الموقوت

بتهافت العذوبة على تشتيل الجراح

نفختْ في هندباء شتاتنا المنفوش ألقاً

على فرار البراري من قبلة خفنا السومري

فتحتْ لشهداء الثورة دفتر توفير مجاني

لادِّخار الدم المراق على مدار السنوات

فتحت أزقة أفئدتنا التي لا تنفد بالمدفعيات

على حب صار أكثر قابلية لصور الخراب

موحِّداً بين دين الغزالة و إلحاد الصياد

لولا أن الشمس المسلوخة على العمود

تفرد ذراعيها أكثر مما ينبغي

على صليب المغيب الشحيح المقاس

سطرَ جمرٍ بارد يبالغ في سرد الرماد

لولا أن القمر المعلق على خيمة الثوار

يستدير أكثر من قرص الشمس

في ليالي التمام

بحيث يأبى الرحيل بانتهاء الحكاية

بمطلع النهار

على غرار أمثولة تمشط ضفائرها

……………………………………

……………………………………

 

الرقّاص المروَّع يدور لاهثاً

حول إطار الدم المحموم

عقرب الساعة بالكاد

يستقر في الح()ب المشحوذة سلفاً

إلا دقيقة الدم الفارّ في الشرايين

بارتجاف العقرب المديد مذعوراً

من التفاف الساق على الساق

في ارتطام منتصف المساق العربي

بتوقيت الشبيحة المصلوب

على ذهول الجدران

على فراغ المرايا الهاذية

على شجر يغصُّ بالحفيف

في حدائق تجزّ كوابيسها

لا لم يمت لأحدنا

أحدٌ بعد

لكنّ أجنَّة حيِّنا الغربي تعجّلت

الخروج من بطون الحوامل

قبل موعد الولادة

قبل قيام القيامة بقليل

قبل طلق الحُبلى بالسكاكين

مواليدها المشوَّهة الفاحشة الزغب

هل تملكها فضول الطفولة؟

هل رأت من تحت جفونها المغمضة

مالا يجب أن يُرى؟

أم أشفقت على رهافة أنفسها

من فظاعة؟

فآثرت تكملة الحلم يتيمة

في زجاجةٍ معقّمة عازلة للح()ب

بدلا من موت غُفْل تحت طيات المشيمة

بيد أن النفساوات بدون عارفات

على غرار عصافير

تركت مبكراً ثقوب الآجرّ

بقعة الشمس على الرصيف

على غرار بائع حليب تخلّفت بقراته

عن درّ ضرعها في دورق الصباح

على غرار غبار حبيس الأنفاس

بإزاء مكنسة عامل النظافة المبهوت

موسى الحلاق المتطفِّل التي توقفت بغتة

عن الانزلاق على صابون الرأس الحليق

ثمة بشرى منقوصة الزغاريد

ثمة تربصٌ أعمى يتحيَّن فرصة الانقضاض

ثمة سطر ريشٍ  كئيب مديد من السنونوات

حائر على سلك الرعاش بين الإقلاع والمكوث

في الصباح الجاثم فراشة ثخينة

على قبعة مصباح الطبيب المداوم

بجحوظ أكرّ مسفوك على البلور السميك

أساريرهن المستريحة بعد طول تعب

في غرف التوليد

متواطئة

كأنما فرغن للتو من تدبير مكرهن

مشيحات بوجوه طازجة الأمومة

جهة سِلم يتهاوى في آخر الطابور

مغمىً عليه من إعياء أطول من الانتظار

……………………………………….

……………………………………….

 

الله أكبر

الله أكبر

ركعتان للدم

وضوؤُهما لا يكون إلا بالتيمُّم

إلى أن يَشُرَّ الدم سخياً في الحنفيات

بشحّ مياه بردى المقطع الأوصال

على طول خريطة النهر المشتعلة

 تفتي اللحى الزرقاء

المستضيئة في عتمة الكهف

بكسل يتمطّى كلباً باسطاً ذراعيه

بعدما أهرقت ما يكفي من أباريق اللبن الطازج

في الفطور الجنائزي المبكر لجمعة القتل الحزينة

مسدِّدة ضربة التيوس القوية بفوضى سائلها المنوي

في غفلة من عصا الراعي

عصا الله المعلقة على شجرة الذهول الأزلية

أماه

أريحي مسبحتك المتعبة

التائهة عن تسبيح الله

على العمود في سرير السهاد

حتى تتابع عدَّ ضحايانا

خرزة خرزة

في انزلاق إبهام الظلام

على سبابة الندم المقطوعة

ونامي                                          

أيتها المفجوعة على الدوام

قبل فجيعة الفجيعة

بملء جفونك المتمرِّنة

على تقطيع البصل بسكاكين الدمع

في الإعداد الرتيب لحساء النحيب المسائي

بملء وسائدك المحشوة بالوساوس

ليس بوسع منكر ونكير استنكار شناعة أخرى

بعد انقضاض القيامة على المدارس والمشافي

بعد انقضاض القيامة على المساجد والكنائس

لا وقت يسع بريدك الشمالي

سوى هواجس السنونو المشوَّش

من انقلاب الربيع على المبشِّر

محلِّقاً على علو شبر من الدم

بأجنحة نزقة

ترتقي درج الغضب العربي

مزيحة مئذنة الله 

عن جنون المساجد بضعة أشبار

أماه

هل تذكرين ماذا قال أبي

قبل الغياب الكبير

مستأذناً بتهذيبه موتاً عجولاً

يزدرد حروف الوصية المتلهفة –

من كثرة مترادفات الحب

في القواميس والمجاميع

من كثرة الأسماء في معجم البلدان

من كثرة كثيرة تحُول

دون إيجاد تعريف موحد للحب

بين العشاق

دون إيجاد تعريف للبلد الواحد

بين الأشقاء

تولد الحرب يا ولدي

كلما ازداد اشتقاق اللغة الباذخة

ازداد انشقاق اللغوي الحائر

في حشو القش التافه بين القلل

يكفيك يا ولدي تقبيل الحياة

بفم العذوبة الأكيد

بمفردات معجم جيْبٍ

من الكستناء الطازج

يكفيك للعودة للبيت

المنتظِر

بجدرانه أمام الباب

(محاذرا

لسان الأفعى المشقوق)

لا مفرَّ إذن

من تجاور القمرين 

في غربال الشروق الشفيف

في غربال الغروب المترف الثقوب

فإن السلطان يؤول دوما للصعود

مشيراً بسبابته المرفوعة إلى لا جهة

فيما وقفتِ بين المشرق والمغرب

مزهريةً مشدوهةً تتوسطها

وردتان متباعدتان

بأمومة لا تختار بين الفضة والذهب

بل تسأل الغد عن نحل يضل الطريق

إلى قفير الحاضر المهجور

لا وقت يسع بريدك الشمالي

سوى هواجس السنونو المشوَّش

من انقلاب الربيع على المبشِّر

محلّقاً على علو شبر من الدم

بأجنحة نزقة

ترتقي درج الغضب العربي

مزيحةً مئذنة الله 

عن جنون المساجد بضعة أشبار

فلتنامي                                           

أيتها المفجوعة على الدوام

قبل فجيعة الفجيعة

بملء جفونك المتمرنة

على تقطيع البصل بسكاكين الدمع

في الإعداد الرتيب لحساء النحيب المسائي

بملء وسائدك المحشوة بالوساوس

متنصتة على هذيان الدم في الأنابيب

على سهاد صنابيرها التي لا تكف عن الشرَق

بينما يؤشّر العدّاد بتضخم دم يوشك على الانفجار

………………………………………………….

………………………………………………….

 

من شرفة مقهى العاطلين عن الوجود

تنادي الثورة على الح()ب النادلة

الدائرة بأردافها بين أحذية الجنود

لتناول كوب الحليب الفائر

لمشاحنات غير مهذبة تليق بالأشقاء

لغزل ثوري فاحش يليق بالعشاق

في الصباح الذي استفاق مبكراً جداً

لأداء دبابات جيشنا النظامي تحية العلم

بمسح أحيائنا المغلوطة بممسحة البارود

لا بأس من ارتفاع قباب النمل فوق الخراب

بدهاليز ثكنات عسكرية لا تضاهى

بجيش من الآسيات حائرات في طمر

جثتنا المتحللة في أقبيتها الضيقة

مدوِّنةً في أطراسها تماثل الضحية والجلاد 

في مرآة تسحب الشمس دلواً بحبل الشعاع

فلنشرب جميعاً دون استثناء

في صحة أرداف تهتز في أسواق المال و القمار

في صحة الح()ب النادلة كوب الحليب الفائر

ليس قبحك الذي يبدو جميلاً عن بعد

بل استحسان عيون طفل مشدوه

ليس حسنك الذي يبدو قبيحاً عن قرب

بل استبشاع عيون دمية مندلقة من المحاجر

في ذهول نظاراتنا المشوِّهة من فرط التحديق

اقتربي أيتها المشمولة بعافية الهرطقة

اقتربي من زغب غيابنا الهش

اقتربي من رعاف روحٍ تفرُّ من الأنوف

اقتربي من قرف أطفالٍ متاريسٍ على الحدود

يتدربون في غياب طفولتهم على صليل البصاق.

****

خاص بأوكسجين


شاعر ومترجم من المغرب.