لعبة الدائرة
العدد 175 | 01 تموز 2015
مارغريت آتوود /ترجمة: سلمان الجربوع


-1-

الأطفال على العشب

متشابكي الأيدي

يدورون

 

كل ذراعٍ تحتضن

أخرى، في

دورةٍ كاملة

قبل أن تعود إلى جسدها 

من جديد

 

يغنّون، لكن 

لا لبعضهم البعض:

أقدامهم تتحرك

على “رتم” الغناء

في وسعنا أن نرى

التركيز ساطعًا على

وجوههم، أعينهم

مثبّتة على الفراغات المتناغمة

أمامهم.

قد نظن هذه 

الحركة المسحورة ابتهاجًا

غير أنّه لا بهجة فيها

 

نستطيع أن نرى (ذراعي في ذراعك)

بينما نشاهدهم يدورون حول بعضهم

مستغرقين 

في الدوران (كأنْ لا عشبَ من تحتهم، 

ولا أشجار تتحلّق حول العشب،

ولا بحيرة)

أنّ تلك هي الغاية

 

من الدوران (أسرعَ

أبطأَ)

أن يدوروا ويدوروا فحسب

 

-2-

وجودي معك

هنا، في هذه الغرفة

 

يشبه أن أتلمّس طريقي عبر مرآة

زجاجها منصهر

وله قوام

الجيلاتين

 

ترفض أن تكون

(وأرفض)

انعكاسًا دقيقًا

بيد أنّا

لن نخرج من زجاج المرآة،

منفصلَين.

 

على أية حال، لقد كانوا على صواب

يوم وضعوا 

مرايا كثيرةً هنا

(مهشّمةً بعض أجزائها ومعلّقةً بشكلٍ مائل)

في هذه الغرفة بروافدها العالية 

ودولابها الخالي؛ حتى على

خلفية الباب علقوا واحدة.

 

هنالك أناس في الغرفة المجاورة

يتجادلون، يفتحون الأدراج ويغلقونها

(الجدران رقيقة)

 

تتجاوزني بنظرتك

تصغي إليهم، ربما، أو

تطالع انعكاس ذاتك على مكانٍ ما

خلف رأسي،

فوق كتفي

 

تنقلب على جنبك، فيتراخى 

السرير تحتنا، يتخلخل، فاقدًا تركيزه

هناك أحدٌ ما في الغرفة المجاورة

 

هناك دائمًا

 

(وجهك

بعيد، وتصغي)

 

أحدٌ ما في الغرفة المجاورة.

 

 

-3-

ومع ذلك،

في كل ألعاب الأطفال

يبدو أنّ ثمة

منطقًا 

 

مهما بدت 

تجريديّةً

في البداية

 

عندما قرأنا لهم قصصًا

في المساء

عن معارك وحشية، وخيانات

سريّة في الغابة، ونهايات دمويّة،

 

فإنّهم بالكاد أنصتوا إلينا،

أحدهم تثاءب وتململ، والآخر

لاك مقبض مطرقة

خشبي، أما الأصغر فكان يفحص

شقًّا صغيرًا في إصبع قدمه،

 

وتساءلنا كيف

استطاعوا البقاء 

دون أي خوف

أو أدنى اهتمام

حتى

وضربة السيف الأخيرة

تنزلق على البطل المحتضر.

 

في الليلة التالية

ماشيين على طول الشاطئ

عثرنا بالخنادق

التي كانوا يحفرونها:

محصنّةً بقوائم مسننة

مغروسة على حواف الرمل

 

وجزيرةٍ تلفّ داخلها بحيرةً 

بلا جسور:

 

محاولة أخيرة

(وإن تكن

قد تآكلت بفعل الماء

خلال ساعة)

لخلق 

ربما، ملاذٍ بشريّ الطابع

وفي مأمنٍ 

 

من أي شيء يمشي

(بقلبٍ كالسيف) 

على طول هذه الشواطئ الليلية.

 

-4-

عائدَين إلى الغرفة:

أنتبه الآن كيف أنّ كل

تلاعبك بالألفاظ، حيلَ الجسد 

المحسوبة، طرافةَ اللمسة

ليست سوى

محاولات لتبقيني

على مسافة محدّدة

ولتتفادى (مطوّلًا)

الاعتراف بأنّي هنا

 

أطالعك

وأنت تطالع وجهي

بلامبالاة

لكن بالفضول المشدود نفسه

ذاك الذي يبدو عليك 

حين تكتشف بالمصادفة جزءًا

من جسدك:

ثؤلولًا ربما،

 

وأتذكر يومَ

قلتَ

إنك كنتَ في الطفولة 

رسّامَ خرائط

(لا ترسمها وإنما) تحرّك 

قلمًا أو رأس إصبع

فوق مجاري الأنهار، 

الألوان المختلفة

التي تميز ارتفاع الجبال،

تحفظ

الأسماء عن ظهر قلب (لتمسك

هذه الأماكن

أن تقع عن أماكنها)

 

والآن تقتصّ أثري

مثل حدود دولة

أو مثل تجعيدةٍ قريبةِ العهد غريبة

على جلدك المعروف

 

وأنا مثبّتة 

على خريطة هذه الغرفة،

الخريطة الممدودة على اتساعها لقارّة عقلك

(هنا ولست هنا، مثل

الدولاب والمرايا 

والأصوات النافذة من الحائط

وجسدِك مهملًا على السرير)،

 

تخزّني

دبابيس

عينيك الزرقاء الباردة

 

-5-

يحب الأطفال البناية

ذات الحجارة الرمادية التي كانت في يومٍ ما حصنًا

والآن هي متحف:

 

يحبون

على الأخص البنادق

والدروع المجلوبة من 

أمكنةٍ وأزمنة أخرى

 

وعندما يذهبون إلى البيت

ستمتلئ رسوماتهم

لأيّام، بالسيوف

بالصولجانات العتيقة ذات اللمعة الخاطفة

بالحراب المكسورة

والانفجارات الحمراء المتوهّجة.

 

بينما يستكشفون

المدافع

(إنهم ليسوا أطفالنا)

 

فإننا نتمشى في الخارج

بمحاذاة المتاريس الترابية، متنبّهين

كيف تتهافت متفتّتةً

تحت الهجوم

المتواصل للأقدام وجذور الأزهار؛

 

الأسلحة

التي كانت مرّةً في الخارج

تسنّ ذاتها في الحرب

تدخل الآن

هناك، في الحصن،

هشةً

في صناديق الزجاج؛

 

لماذا إذن

(أفكر في التشكيل الدقيق

حول قناطر المبنى الحجري)

في هذا الوقت، يُعتنى  

 بهكذا قلاع  

لتحمي أشياء لم تعد تستحقّ 

(عناء)

الدفاع عنها؟

 

-6- 

وأنت تلعب اللعبة 

الآمنة، لعبةَ اليتيم

 

لعبة الشتاء رثِّ الثياب

التي تقول، أنا وحيد

 

(جائع: أعرف أنّك تريدني

أن ألعبها أيضًا)

 

لعبةَ المشرّد الواقف

في كل صورةٍ عند النافذة،

 

مرتعشًا، يضغط أنفه المحمّر

على الزجاج، الثلج 

يتجمّع على جيده،

متفرّجًا على العائلات السعيدة 

 

(لعبة حسد) 

 

إلا أنّه يحتقرهم: كأنما خرجوا

من بطاقة كريسماس مزيّنة برسومات من الحقبة الفيكتورية:

يظهر الورق الرخيص

تحت أصباغ

مواقدِهم المبتهجة

وضحكهم القروي

الملفوفِ بشرائطَ متسخة

ولديهم ألعابٌ 

في غرف الاستقبال 

تلائم أحوالهم: أبٌ وأم

يلعبون أبًا وأمًّا

 

إنه سعيد

بعزلته الباردة

في الخارج

 

(يحتضن نفسه).

 

حين أخبرك بهذا،

تقول (بابتسامةٍ زائفة

كرقاقة جليدٍ لامعة):

 

أنتِ تفعلينها أيضًا.

 

وتلك بصورةٍ ما

كذبة، لكني أفترض أيضًا أنها

صحيحة، كالعادة:

 

على أني أميل لأنْ تُلتقط لي صورٌ

في فصولٍ أخرى

خارج نوافذ أخرى.

 

-7-  

إنه الصيف من جديد؛

يدور الأطفال

في مرايا هذه الغرفة، يغنون

ذات الأغنية؛

 

هذا السرير العادي

بائسًا كبستانٍ أصابه الجفاف،

اللحاف 

متطوٍّيًا على بعضه بجحورٍ صغيرة، هو 

ساحة لعبهم المعشوشبة

 

وهذه الجدران المحكوكة

تحوي الأشجار المتحلقة حول عشبهم،

تلك البالوعة المنخفضة المسدودة

بحيرتُهم

 

(دبّورٌ يحوم،

منجذبًا إلى قطعة فطيرة

تُركت على الشاطئ القريب

(كيف تولي عنايتك

لهكذا تفاصيل)؛

 

يجفل أحد الأطفال

لكنه لن يتوقف عن الدوران)

 

تجعلهم 

يدورون ويدورون، ملتزمين

بالقواعد المتشددة لألعابك،

وليس هناك ما يبهج فيها

 

وبينما نستلقي

ذراعي في ذراعك، لا 

متصّلَين ولا منفصلَين

(تأمّلاتك تحوّلني

إلى امرأةٍ خائرة القوى في

قفص عظام، حصنٍ مهجورٍ

داخلُه خارجُه)

 

شفاهنا تتحرك

تقريبًا على رتم غنائهم 

مصغين إلى انفتاح

الأدراج وانغلاقها 

في الغرفة المجاورة

 

(بالطبع هنالك دائمًا

خطر لكن أين 

ستحدد مكانه يا ترى)

 

(الأطفال يطوفون

حول قفص زجاج

من الهواء الدافئ

بأصواتهم التي تشبه أصوات الحشرات

نحيلةً مثل خيط قماش)

 

وبينما نستلقي 

هنا، عالقين

في رتابة التطواف 

من غرفةٍ إلى أخرى، نغير

مكان دفاعاتنا،

 

أريد أن أحطم

هذه العظام، قيودَ إيقاعاتك

(الشتاء،

الصيف)

كلّ صناديق الزجاج،

 

أن أمسح كل الخرائط،

أن أكسر قشرة البيض

التي تحمي أطفالك 

في دورانهم المتناغم:

 

أريد الدائرةَ

حُطامًا.

____________________________________

مارغريت آتوود (1939) كاتبة كندية وهي واحدة من أهم وأشهر الروائيات وكاتبات القصة المعاصرات، كما أنها شاعرة أيضاً في رصيدها أكثر من 15 مجموعة شعرية. نالت العديد من الجوائز منها جائزة بوكر العالمية عن روايتها “حكاية الخادمة” (1986). 

الصورة من أعمال التشكيلي الأمريكي Salamon Bradford

*****

خاص بأكسجين