لا يحبني البحر والسمكة تأكلني
العدد 144 | 09 كانون الثاني 2014
أيسر شعبو


الخوف منطق 

 

وسطَ السهل المفتوح على المدى الوردي أكلني التمساح الأصفر، وأكلتْ من قلبي الصغير لبوة بيضاء، فابتليتُ بالخوف وأسميتُه “منطقاً”!

لم أعد أمشي إلا مع عقارب الساعة، أتمهّلُ أحياناً وقد أتوقف ولكني لا أسابقها أبداً.

 توقفت نهائياً عن غمس أصابعي في كيس العدس، وتسريح قدمي في الحنطة المسلوقة المنشورة للشمس والعصافير.

 لم أستجبْ أبداً لرغبة التمرّغ في الطين أو تلطيخ وجهي بشتى الألوان القزحيّة.

 وغلبتُ هوايتي في قضم قصب السكر ومضغ أليافه، واعتدتُ شرب شاي ليبتون المصفرّ الكالح كأنه شايٌ فاخرٌ. أحلق ذقني، وألبس ربطة عنق وألمع حذائي بانتظام.

لكن كلّما أمسكتُ شوكةً وسكيناً لآكل سمكةً صخريّةً بأناقةٍ -كما ينبغي للمنطقي الافتراضي أن يفعل- وجدتُ نفسي وقد افترستني هذه السمكة.

 

كنزة صوفية

 

كنزتي الصوفية للدفء، لكنها تنخّزني جداً وتثير بي حكةً جنونية.

أنا الآن أتذمر من الكهرباء المقطوعة والحياة من دون “كوندشن”، مع أني عشت معظم حياتي من دون مروحةٍ عادية.

أصنع الطعام كما تعلمت من جدتي وأمي وبنفس الطريقة والبهارات، لكني لم أحظَ برائحة جدتي على كفيّ.

الكثير من الفودكا لم تكفِ لأصير روسياً، والنبيذ وتجرعه لم يصيرّني فرنسياً.

أتأفف من النقّاقات، لكن نقيقي يملأ صفحاتي.

غازلتني بعض الفتيات، لكني لم أصبح جميلاً على قدر غزلهن.

أصبحت أباً ولم أغادر طفولتي، لكني مع ذلك أشعر بشيخوخة مبكرة منذ عشر سنوات.

أتشنج عندما ترد عبارة “شعر حديث”، لكني مسحور بالكثير من النصوص الحديثة وكتّابها.

أحب زياد الرحباني، لكني مللت قفشاته وأكره محبّيه.

أحب محبي الشيخ إمام وأكره عزّة بلبع.

يمر من قربي التاريخ فأسعل من غباره.

أحب “يا بوليس الإشارة” وأكره “بعد اللي كان”، لإني أعتقد أن مرسيل خليفة صار “فزلوكاً.”

تمر من جانبي ثورة فلا ينالني منها سوى عصف ريح.

أعرف الكثيرين ويعرفني الكثيرون ولكني أشعر بالوحدة.

لم ينل مني الاكتئاب لكن الخيبة تملؤني ولا أحافظ على تفاؤلي لمدة خمس دقائق متتالية.

أحب البحر لكنه لا يحبني.

 

لعل هذه الكنزة الصوفية تنخّزني وتثير بي رغبة كبيرة في الحكة إلا أنها تدفئني.

__________________________

كاتب من سورية

الصورة من أعمال لاعب الفوتوغرافيا المصري مراد السيد

*****

خاص بأوكسجين