قبعة جديدة للأرنب الصغير
العدد 267 | 25 أيلول 2021
هيثم عبد الشافي


أنا.. أحبك أكثر على الطرق السريعة يا حياتي، وأكثر وأكثر في السوبر ماركت.

بين التدريبات الشاقة لحبات البطاطا وعروض أوراق الملفوف على الأرفف، أحبك، بين وصفات الفطائر والعجائن وأمام ثلاجات الألبان، أحبك.. مع كل رعشة أمام مكيفات الهواء تمنيتها في حضني، أحبك، مع كل الأصوات المرعبة خلف المعلبات وضحكاتنا حين تنسين العربة في الزحام.

لا يقتلني في السوبر ماركت إلا دعاية “الشوكولاتة”: “ما منقدر نعيش معهن ولا منقدر نعيش من دونن”..!!!!

إلى الآن أعيش في سحر عرض الملفوف.. ورقة للسلطات وأخرى قبعة جديدة للأرنب الصغير بداخلك، لكن كل اللعنة على إدارة السوبر ماركت، لم تشغّل لنا أسطوانة واحدة لعبدالوهاب!.

كنا نفكر في مقطوعة “عزيزة” واختاروا “حبيتك بالصيف”. أي مكان هذا؟!، ألا يحبون “عورب” وديع الصافي مثلنا!.

تدهشني بذاءتك المرتبة وأنت تلعنين المسافرين.. كل المسافرين الذين قرروا فجأة تجاهل إشاراتك، وأجهز نفسي لوصلة الرعب في الأنفاق والمناطق الجبلية وشبكات الهواتف الضعيفة.

هذا اللسان الطويل يعود في لحظة واحدة للبياتي والرست ومن الرست لقصار السور ومن السور القصار لآذان عبد الباسط وطفلة تفطر جدتها قبل المدفع بعشر دقائق.

في السفر.. تعلمت ألا تشغلني عن تفاصيل ساقك اليمنى حوادث الطريق، كنت تغنين وأنا في عراك دائم مع حزام الأمان فوق بطنك الصغير وبين نهديك.

وبخته ساعة كاملة.. قلت له صاحبة هذا البطن الرقيق، حبيبتي، ولسانها الطويل، وضحكاتها، وأصواتها المرعبة، ورعشتها أمام مكيفات الهواء، لي أنا فقط، حتى أرنبها الصغير لا يعرف غيري ولا يأكل إلا من يدي.

إليكم جميعاً.. مديرها في العمل، عاملة النظافة، المساعدين خلف الأدراج وفي المخازن، زميلها حديث التخرج، إليكم إليكم.. من أكبر رأس في هذا المكان إلى أقذر موظف أنعم الله عليه بالجبن والخسة، من فيكم يعرف أنها مجنونة وتقطع الطريق فجأة أمام 7 سيارات دفعة واحدة، من فيكم يعرف أن والدها كان في السيارة الثالثة يلطم ويبكي وكأنه لا يعرف أنه أول من علّمها كيف تكون الجرأة والقوة بعد البكاء يومين في الغرف الضيقة!!

من فيكم عاش معنا كواليس المسارح الكبيرة، وسمع ألف ضحكة وضحكة مثلنا في الطريق، من يعرف مدى عشقها للهجة العراقية وحرفي “الكاف والجيم”.. أليس في أفواهكم غير حزن عينيها ووصلات البكاء في سريرها بعد الرابعة صباحا؟!

هي لا تحب الرمادي، تحب فقط الأشياء الواضحة، وكلكم مزيفون، تخاف شكل بارودة ولا يرعبها زي الجنود في شوارع بدّلت ملامحها السنين، لا يهزها الضياع وتربكها برامج المسارات على الطرق، تكره الأدوية ومقاسات الحرارة ويسحرها حضن طفل بعد ساعتين من “الدو والصول” في أول يوم بالمدرسة البعيدة.

*****

خاص بأوكسجين


قاص وصحافي من مصر.