عودت عيني على رؤياك
العدد 239 | 16 كانون الأول 2018
مروة أبو ضيف


“عودت عيني علي رؤياك”

و هذا ما يفعله قليلو الحيلة

الخيال وإدمانه

حتى يظن الآخرون ممن يملكون مصيرهم بالفعل

أننا مجانين

علي الرغم من أننا نحايل ضعفنا فقط

نتحايل على الزمن الكلب وقسوته

نقسم بيننا رغيفا كبيرا لنشبع

رغم أن الرغيف ليس موجودا بالأساس

حتى أننا نحتفل بأعياد الميلاد والكريسماس والهالويين يا عزيزي

تصور!!!

كل هذا ونحن مكممون داخل أربعة جدارن

بلا ضوء ولا هواء ولا أمل

والحب شيء بعيد جدا

نتذكره من الأغاني التي سحبوها من رأسنا بالتدريج

وفي كثير من الأوقات يكون من الصعب جدا

أن نفرق بين الدموع والضحك

أنا مثلا الآن في غاية السعادة

غير أن شيئا ما لا أعرفه أبداً

يجعل الدموع تنزلق هكذا على وجهي

ولا وجاهة في الأمر

ولا محاولات إغراء رخيصة ومبتذلة

مجرد أحزان مباغتة

تنفلت من أدراج الثلاجة وتنسكب فجأة على أرضية صدري

أنا نفسي أنزلق فجأة علي أرضية الواقع

أتفاجأ تماما بوجهي في المرآة

كل يوم يزداد غرابة

وكل يوم أذكر نسخة أصغر من ملامحي

على كلٍّ

أنا لا أودّ أن أتحدث عن أي شيء

ولا يضايقني في هذا العالم الكبير شيء على الإطلاق

فقط وددت أن أقول مساء الخير

وأن أميل على كتفك بابتسامة وأقول

“عودت عيني على رؤياك”.

 

 

انتظرت أن يأتي أحدهم ليرممني

يطيّب تلك الشروخ بجسدي وروحي

حتي أنني وقفت على الطرقات بيدين مبسوطتين لأي عابر

ليس الأمر كأميرة تقبل ضفدع في انتظار الأمير

ربما كنت بحاجة لطبيب أو جراح محنّك

يجعل من تمثال الشمع الذي أرتديه

فستانا آدميا لطيفا

يصلح لاستعمالات الحياة الحقيقة

بجلد سميك وأسنان تصلح للضحك

عيون تنظر إلى الصورة الجميلة وتضحك

بدلا من البكاء على الوقت الذي لم يحن بعد

حين تنتهي الصورة وتذوب الضحكة

انتظرت أن يأتي شيخ

يأخذ بيدي إلى اليقين

دون أن يفتح صدري ويرى مخالب الشك

يعطيني مبخرة دون أم يحرق أصابعي على جمرها

دائما كان هناك شيء انتظره

مخلّص

رغم أنني أعرف جيدا أن الخصومة تقع هنا تماما

بيني وبين قلبي

بين روحي التي تتسرب من الشروخ

والظل الذي يخبئها عني تحت الإسفلت

لكني انتظرت

أخلصت تماما للفكرة

للرغبة الحقيقية في الشفاء

حتي أنني كلما لمحت ضحكة حقيقية في المرآة

أفرغت كل ما أملك من طين لأحنّطها على وجهي

أصابعي أيضا تعبت من التسبيح والإشارة لأعلى

عيوني تعلقت كثيرا بالنور والسماء

لما تسلق السرطان كتفي

وقفز مسرعا إلى سرير العائلة

ربيت أسماكا صغيرة ملونة

ووروداً ونعناعاً رائعاً

لأغير رائحة البيت وأتمسك بالبهجة

ثم تسلل الموت بخفة

تعلمت الرقص والغناء

لم يسعفنِ صوتي

قبيحا ومترددا

أظنه كان سببا رئيسيا في تصدّع جسدي سريعا

وانهيار حائط الأمان الوهمي الجميل

القرآن كان جميلا

أقرأ وأفتش عن الأجوبة

ثم تقفز قطط وصقور وأحصنة بحر

من فوق كتفي الضئيل

غابات من الأفكار نمت في كل سرير حملني

الكآبة ابنة هذا العالم

تكبر على حوافه وفي قلبه وعلى صدره الأشعث

في الخرائب التي يصنعها كل يوم

وفي شقوق جسدي النحيل

الذي انتظر بإخلاص رائع

من يأتي ليرممه.

 

 

كل شيء سيكون علي ما يرام

سيصير عاديا وقابلا للاستخدام الآدمي

حتى التعاسة والحياة المشروخة

ستصير مرممة

وربما ترتفع قيمتها علي مرّ الأيام الخائنة

والمغدورة

وأنت

ربما تصير مزارا في متحف الحياة

حين يتيبس جسدك من الجوع

و تنبت لك أجنحة

من كثرة الأسهم المعلقة في ظهرك

انت من العالم الثالث

حيث الوسط مرتبط في أذهاننا

بالراقصات والخونة

لذا تعلقت تلقائيا بالعالم الأول

الشوارع النظيفة التي تصيبك بالرهاب

الغربة التي تجعلك معلقا فقط بظلك

الأمان المتاح للجميع

والذي يجعل منك بالضرورة خطرا محتملا

لأنك خارج عن المشهد

لكنتك التي لا تخفيها المساحيق ولا الشعر المستعار

كتلة الأوراق المدروسة بعناية

كي تضمن حين تموت

أن هناك ولو شخص واحد على الأقل

قد يتعرف علي جثتك

كل هذا سيمسي على ما يرام

لأن العودة مع الوقت

تصبح غير ممكنة

لأن الجنرال قابع على الحدود

لأن غرابة بدائية

تكاثرت في جسدك مثل السرطان

لأن الجنون الذي يكنسه أبوك عن روحك كل صباح

تكدس علي صدرك في الغربة

الخوف الذي لجمه حجاب أمك

أطلقته الحداثة في دمك وانتصر

لأن علة وراثية بالحزن

ورثتها عن الحالمين

صارت محتقنة ومزمنة

لكن كل هذا سيمسي على ما يرام

لأن هذه أغنية جميلة

للبهجة والحياة.

 

*****

خاص بأوكسجين


شاعرة من مصر. صدر لها "ذاكرة رحيل"" 2008، و"" أقص أيامي وانثرها في الهواء"" 2013."

مساهمات أخرى للكاتب/ة: