سيدة برلين الكذابة
العدد 268 | 05 كانون الأول 2021
هيثم عبد الشافي


 

خذ عقلي ومعه قلب أكبر من هذه المظلة وعشرين كلمة “أحبك” وخمسين “يا حياتي”.

ألف ألف “اشتقت”، ومئات الأغنيات ومعها ستون ضحكة، ها هي.. كل هذا الحب هدية لك، لكن قبلها أخبرني كيف تعيش هذه الكذابة الكبيرة؟

هل طبيبها النفسي يمدها بأقراص مهدئة تساعدها على النسيان؟ لا أظن! كان فاشلاً ولجأت إليه قبل أن يحدث كل هذا البعد.. والحمد لله أخبرتني مرة بأنه يراني حياتها فعلا، ويومها لم تكمل الجلسة معه، وقابلتني آخر النهار، واتفقنا على وشم جديد وشؤون صغيرة لم تنفذ واحدة منها حتى هذه اللحظة.

برأيك.. عادت إلى التدخين والنبيذ؟ بالعكس، التبغ ورائحته وكل تفاصيل السجائر دائماً نتلاقى عندها، حتى النبيذ، كانت وعدتني وحلفت أكثر من مرة ألا تذوق قطرة واحدة منه.. ولكن ممكن، معك حق هذه كذابة كبيرة وعاشت بعدي ستة أشهر كاملة.

أنا أعرف أن الفراق لا يسبب الموت، لكن أعرفها وأعرف نفسي أيضاً، هذه السيدة وعدتني بأن نكمل سويا 10 سنوات وألا نفترق إلا بعد الخمسين بعامين على الأقل، وكان العجز يطولها إذا افترقنا يومين، وتعرفها الخيبة والضياع وقلة الحيلة إذا فكّرتُ في الرحيل عنها.

قطي الرمادي العزيز.. هل تذكر حين حدثتك عنها قبل عام ونصف من الآن، وقتها كنا نستعد لآخر محطة في قصتنا، والله كنت سعيداً جداً، ليس بالبعد، لكن رأيتها للمرة الأولى محبة وحقيقية، كانت تستغفر وتتطهر وتعترف بكل سخافتها وأنانيتها. قالت – لو تذكر – أن طعم الفرح ذاقته على يدي، وأنها أحبت نفسها معي، وخسارتي هي الأكبر في حياتها.

لو كل هذا كذب، كم مرة قالت سامحني؟ ألم تطلب أن أخبر العالم كله بقصتنا، وإن ماتت أصنع تابوتاً وأكتب عليه رحلت من فرط عذابها بعد فراقنا.

اشهد أنت عليها، أنا، كنت في كلمة تقولها، وبين النفس والآخر حاضرا، في سكوتها وخلف آهاتها، وإذ ضاقت أكون معها، وفي أيامها الحلوة لا أفارقها، حتى أحبك تحت القصف قالتها، في المخابئ ومن خلف كمامتها سمعتها. وإذا طاردها النوم، كانت تقولها وهي جائعة تخبرني بحبها، في حمامها وفي حديقتها، أيام المطر والبرد وفي الحافلات وعلى المسارح وأمام مرآتها وخلف منزل جدتها.. كل هذا كلام.. فقط كلام.. يا قطي العزيز!!

التي أحدثكم عنها في برلين الآن، واسمها سيدة برلين الكذابة، تركت البلاد كلها وفتحت صفحة جديدة مع شوارع لا تعرفنا، ونسيت معي شعراً ونثراً.. مبيض أسنانها معي، وملابس العيد، وعلم بلادها، وجرس المدرسة، ومفتاح سيارتها. كل أسرار أنوثتها معي، موعد طائرتها وعنوان مصفف الشعر، ورقم هاتف الخادمة.. وأنا معهم.

 

*****

خاص بأوكسجين


قاص وصحافي من مصر.