سر تشرين
العدد 261 | 14 تشرين الثاني 2020
هيثم عبد الشافي


 

الشوارع في بلدي لا تنسى الحكايات، تحفظ ضحكات العشاق وأوجاعهم، تخبئ هموم العابرين وتعرف ملامح الباعة وأصواتهم.

عطر كل حبيبة في حقيبتها، مشاهد درامية من لحظات الوداع، قبلات سريعة هنا وهناك، دقة قلب ودقة كعب، سجائر لا طعم لها في الانتظار وسجائر العاشقين من فرط الغرام.

عالم آخر يا حبيبتي في شوارعنا، وشوارعنا لا تعرف إلا صوتك، تحبك أكثر مني حين تغنين للنيل، تمسح كل أوجاعك وتقسو علىّ، تلوم المسافات والبعد ولا تطيق أيام الخصام وحلم ميعادنا الأول، وليل نهار تسألني فأرد بالصور والحكايات.

قبل يومين سألتني: أي مكان تذهب إليه حين تشم عطرها؟ فجاوبت بصورة أيضا، وبعد يومين قلت: عطرها نفحات متناغمة ومتنوعة، «جوجل» أخبرنى أن هذه الزجاجة تجمع بين الفاكهة والمكسرات وزهرة السوسن والكريمة المخفوقة والتوابل!.

 أنا لا أملك إلا الصور، أقصها من الحكايات والمشاهد ولا أخبرك، أشرب فنجانين قهوة وأقتل نصف الليل في ترتيب الأحداث والتواريخ وكل يوم أكذب على المقاهي الصغيرة في حاراتنا.

اخترعت مئات القصص عن لقائنا الأول، مرة قلت: كنا في مسيرة وأهديتها وردة وبارودة، وأهدتني حجرًا فضيًا، ومرة كنا بالقرب من بوابة الثوار، وثالثة في المنفى، ورابعة في السوبر ماركت.

تعبت يا حبيبتي.. قولي لهم لا يسألوني عن دفء حضنك، عن كلمة أحبك، عن يدك فوق يديّ، عن الحزن في عينيك وصورك في جيبي… قلت لهم ألف مرة أنا أعرف أي يد كانت تمسك حين جربت الوقوف أول مرة، وأحتفظ بفساتين طفولتها وأحداث عيد ميلادها العاشر وهدايا صديقاتها عندي!!

لست أبالغ حين أخبرهم بحلاوة صوتك وأنت تقلدين مطربة في إعلان قديم بداية التسعينيات، وكيف كنت بارعة وأنت تصفين سيارتك أول أمس.. وتكون خيبتي ثقيلة.. أثقل من هزيمتك أمام وجه عابث يطفئ كل محاولة للضحك والفرح، حين تسألنى المقاهى عن طاولتنا وأول فنجان قهوة.

المقاعد غبية والمقاهي لا قلب لها يا حياتى، كيف تتجاهل الحكايات وكل ما أحمل فى يدىّ؟!.

أنا معى وترين من كمنجتها وشعرة بيضاء وتجعيدة.. أنا ابنها وحبيبها وصاحبها، أنا ذقت قسوتها ولينها، كرهتها وعشقتها وعاتبتها وجرحتها ولعنتها، أنا عالمها وعلمها.. أنا سر تشرين وساعات الغروب في كانون، أحبها كل هذا الحب ولا أملك في خزانتها ركنًا دافئًا.

 

*****

خاص بأوكسجين


قاص وصحافي من مصر.