رحلة
العدد 250 | 29 كانون الأول 2019
محمد السعيد


 

 

 

هى تحكي، وأنا أتلمس طريقي فى ضباب الحكاية. كلام عن الصداقة، الفراق الذى يشبه الخيانة، والافتقاد. أوافق على كل كلمة تخرج من فمها رغم الغشاوة التي على عيني، وهى مندمجة فى وصف حضن صديقتها بعد الفراق. أتخيل: لو نسير بطول المحطة حتى باب الخروج وأصابعنا متشابكة. نواجه العالم معاً.

عليّ الآن أن أمسك بيدها الرقيقة. لكنه الرجل الذي وقفنا أمامه فى المترو عيناه تحوط أدق حركاتنا.

لن أتحمل كفه الجلف، ولن أقول إنها أختي، وشارب الرجل الذي ينساب من منخاريه فوق شفته فاحماً غليظاً ينتفض، ويهيج عليّ مثانتي أكثر.

(كان لك أن تختار بين أن تتبول أسفل الكوبري وأن ترافقها، واخترت أن ترافقها فأمسك نفسك يا بطل. لا يمكنك الآن أن تلمس أسفل بطنك أو تتلوى وتهبط بك قدماك، ستحرج نفسك وتحرجها، وسيضحك الرجل ويتمدد الشارب بعرض وجهه.. )

لا أدري ما جرها للحديث عن الذنب، الندم، والله. كنت مشغولاً بالثورة أسفل بطني. أهز رأسي دون إدراك كلامها. أتجنب النظر إلى الشارب أمامنا.

تقول إنها تشعر بالراحة عندما تقترب من الله. تتقرب إليه بالبكاء. تقول إني محتاج أن أقترب منه أيضاً. أفكر أني أحتاج أكثر إلى كلمة مواساة منها. لو

أقول” عاوز ادخل حمام ” هكذا سريعة حاسمة، ثم أترك الأمر فى يدها.

أكاد أقاطعها ويخرج هذا الخراء من فمي، ثم ماذا لو سكتت؟!

لا بد أن أتوقف عن الشكوى كطفل.

 

أخضعت مثانتي شيئاً ما. كانت قد بدأت بتفحص الوجوه حولنا فى صمت. لا أرغب فى أن تصمت. سألتها عما تقرأ هذه الأيام. تحتج بالدراسة التى تؤجل مشاريعها. تهرب من السؤال. فهمت هذا ولعنت نفسي. قلت أنه سؤال سخيف. قالت أنه ” عادي ” و سكتت فى خجل.

تنظر عبر نافذة المترو المفتوحة. استغرق فى النظر إلى جانب وجهها وشعرها البني. تحاول رؤية السماء. لو أبدي إعجابي بصفاء وجهها كساعة الصباح الأولى!

انتبه على بصقته فى منديل قماشي. سار خنصره الغليظ على شاربه. هبط وتلوى كثعبان. يلامس تنورتها، وماذا لو التف حولها، وعصر ثديها ؟!

عاودت مثانتي هياجها بينما ازدحم المترو. كان لا بد من إعادة ترتيب أنفسنا لاستيعاب هذه الكتلة الضخمة من الناس، وكل حركة حولي تزيد من ألم مثانتي. أزيح كوعاً هنا وآخر هناك.

يدي المرتعشة تتلمس الطريق نحو يدها. أضغط على اليد وتتشابك أصابعنا. لو تسري إليّ سكينتها، كيف وهذا الهياج أمامنا؟! والرجل شخر وكشف الشارب والشفة العليا عن أنياب حادة طويلة. لعن الرجل دين أمي. لم أستطع التماسك أمام سيل البصاق. طفرت قطرة فقطرتين ثم اندفع خيط ساخن بين فخذي. سوف تفوح الرائحة بالتأكيد، وقد يتابع أحدهم غزو البلل لبنطلوني، والرجل يقول أن ده ما يرضيش ربنا ووسط الفوضى ألمح العرق على جبهتها، الزغب فوق شفتها. الحاجبان يتشابكان ويتكاثفان. العينان تختفيان، وهل يمكن أن ترى البلل عبر غابة الشعر هذه أو تغلب رائحة البول على رائحة عرقها ؟! ثم ماذا لو تغوص قبضة اليد فى هذه الكتلة المشعرة ؟!

لكن كفى. ليس هذا وقت سخرية.

تذكرت بلل البنطلون دفعتها أمامي بقبضة يدي فى ظهرها. وصل المترو إلى المحطة. لا بد أن أهبط الآن. انفتح الباب. حولي همسات، ضحكات، وأيادٍ تنقبض. تجنبت لكمة نحو جانب وجهي. اندفعت هي إلى الخارج. حال انغلاق الباب بيني وبين النزول. هوت كفٌ على قفاي ثم انهالت عليّ الصفعات واللكمات، وانطلق المترو نحو ظلام النفق..

*****

خاص بأوكسجين