حوار حي ومباشر: فراس سليمان
العدد 190 | 08 أيار 2016
خالد بن صالح


تسعى أوكسجين إلى ضبط عوالمكم متلبسة بما تصوغه من إبداع وتتوهج فيه وهي تعيش وتحيا، على شيء من العفوية ومن دون تحضير مسبق سوى تحديد موعد للقاء في مربع “الشات” على “الفايسبوك” لنمضي في دردشة حية ومباشرة: سؤال فجواب، أسئلة سريعة خاطفة وإجابات أتطلع لأن تكون سريعة مكثفة أيضاً، كما لو أنه حديث ودي وشيّق يجري في حانة أو مقهى، أو حديث يخرج من حيث لا ندري في مشوار لا نريد له أن ينتهي.

الحوار هذه المرة مع الشاعر السوري المقيم في نيويورك فراس سليمان:

 

بداية ماذا تستعيد في علاقتك الأولى مع الكتابة؟ حكاية، حادثة، كتاب؟

لا أتذكر، لكن لي أن أتخيل اﻵن أنني كنت أريد اللعب وحدي. ربما هرباً من اللعب مع الآخرين، ومن قوانين ألعابهم فقد كنت ولدا ضجراً وما زلت.

بدأت الكتابة مبكرا كنت في الحادية عشرة. كأني كنت أحاول أن أؤلف اختلافاً ما بالكلمات.

 

في مجموعتك الأخيرة ” نهايات معطلة” تقول في حديث بين شخصين: ماذا تفعل هنا؟ – أتأكد من اختلافي. هل تأكدت بعد تجربة طويلة من الكتابة من اختلافك؟

من الخطورة أن ندّعي أننا مختلفون، هذا شغل الآخر. لكن ركوننا، ﻷقُل لوهم (الاختلاف) له أن يكون محفزاً. الجدل هنا مركّب جداً. فيه الكثير من المساحات المضاءة والمعتمة في آن واحد.

أما عن الكتابة فهي مساحة لتربية الأوهام لمراقبة الأوهام وهي تخرج عن سلطتنا وهي تخربط ملكة إدراكنا فلا نعود لنعرف من ولّد من.

 

“خالد أريد أن أقول شيئاَ”، يسألني فراس، لنصغ له:

في الكتابة الابداعية نتوهم أننا مفتوحون على الجمال في التنظير حول الكتابة. بالتأكيد وكما أرى خطابنا مفتوح على النقصانات والندم.

لذلك كنت أخشى دائما من الحوارات. أعرف أنني سأندم

ما أقوله اليوم قد أغيره غداً، أنا أصدق هذا الكذب.

 

لا تجعله ندماً، وأعتبرها من أخطاء الأمل، أننا نصنع حواراً يتّسع لشاعرين… دعني أخبرك أنني تركت الجامعة في مرحلة الماجستير هرباً من القولبة والانحصار، وسأهمس مثلك كمحارب متعب: كم من القسوة أنني ممتلئ بما لا أحب قوله.

ياه شكراً خالد. أحب أنك استخدمت هذه الجملة، نشوة هذه.

(يلا خلينا نكمل)

 

نشرت مجموعتك الأولى في سن العشرين ” المدينة التي أسكنها بعيدة”، كيف ترى المجموعة والمدينة الان؟

أكرهها وأحبها لكنها لا تشبهني الآن. أحن أحياناً إلى براءتي. (هذا يحتاج إلى كتاب لشرح الفكرة) كنت آنذاك معنيا بالعالم كواحد من ضحاياه السذّج المشدوهين الجميلين. الآن أنا شخص آخر تماماً معني بالعالم لكن بشكل آخر.

 ما زلت متوهماً أني أستطيع أن أضيف جملة أخرى لما قلته سابقاً. لكن حقيقة أنا اختلفت عني كثيرا. وأحب أن أصدق أني لا أريد أن أقلدني أنا الذي لا أقلد أحدا…

 

حدثني عن طقوس وعوالم الكتابة لديك في نيويورك؟ هل من فرق عن سوريا؟

ليس ثمة طقوس، أنا ابن ليل. خرّبتني أشياء كثيرة منذ زمن طويل، وأجرّب صياغة خرابي بصورة جميلة. أما عن الأمكنة في هذه اللحظة لا رغبة لي في أن أحاول فهم سطوتها/تأثيرها. وعن نيويورك فهي مدينة بذاتها استثنائية كما هي أيضاً ليست غير فكرتي عنها، مدينة لتكريس الخراب/الجمال. لتوسيخ الأنا لحثها على العمل بجنون لتكون لطخة. أعانتني هذه المدينة على تظهير عدم إيماني بشيء.

وأيضا وأيضا نيويورك هي زوجتي النيويوركية التي علمتني أشياء كثيرة عن العالم.

 

كيف تقرأ خارطة الشعر في هذه المدينة/ الهاوية، هل من أسماء لشعراء تحب أن تقرأ لهم بحب كبير؟

هناك أشياء ومشاهد وأشخاص لا علاقة لها ولهم بالشعر أتعلم منها ومنهم. شغلي الآن أن أستنطق الغباء. المثقفون والأذكياء أخشى أن أقول إنهم منجزٌ مُقال. لعبتي الآن في تقصي من ليس معنيا بالقول ويقول كثيرا.

 

تماماً مثلما يتجلى اشتغالك في “نهايات معطلة” على استنطاق أشخاص الهامش والظل والعالم اللامرئي، متى نستطيع أن نفهم أن الشعر الحقيقي يوجد في هذا اللعب المحكم خارج دوائر اللغة وتكرار ما قيل؟

شكراً لأنك استخدمت كلمة (لعب) لا شيء خارج الشكل. إننا مخلفات لغة، لكن السؤال كيف أعيدَ تدويرنا أو كيف نحن أعدنا تدوير أنفسنا عبر اللغة. أحب أن أصدق أنني ابتكرت لعبة جديدة. على حد علمي لا أحد أستخدم هذا التكنيك من قبل. يعني أن تستعير أصواتاً تصرخ لتهمس أنت. أما عن الشعر الحقيقي فهو دائما هنا شريطة أن يكون (الـ هنا) هائلا وقابلا لأن يتسع (للـ هناك).

الشعر بمعناه (التقني كأحد الأشكال التعبيرية) ليس له أن يكون خارج اللغة وله أن يكون قلبا يضخ دما هكذا كيفما اتفق لتأكيد النبض. مجرد مؤشر صغير وحقيقي لشيء يدعى الحياة.

 

هذه الذاكرة / لماذا تشبه علبة ألوان؟ أو كما كتبت، أي لون تستحضر حين أقول لك: سوريا ولماذا؟

الذاكرة آلة تنبيه أننا كائنات تثير الشفقة. عبدة باختيارنا حتى عندما ننتقي ونختار، أو أننا منتج إشكالنا مع الزمن أما (علبة ألوان) فذلك لنتوهم أن الأشياء قابلة للرسم دائما وأبداً.

سوريا ……. آخخخ. أخلاقياً إنسانياً يشوهني كل يوم هذا الخراب الموت. ربما في مناسبة أخرى نحكي عن دقة وتركيب مفهوم الهوية. مع هذا دعني أضع هذا المقطع هنا من مجموعة شعرية لم تنشر بعد.

(أقطع جذوري التي تصلني بي

أحرقها

بقي لي أن أتعلم كيف أحتمل هذا الصقيع)

 

لعلَّنا كآلهة كرتونية حوَّلنا أوطاننا إلى أخطاء شائعة أو عادات سيئة يصعب التخلص منها، أو ربما هي كذلك كما الحب بكل ما في الكلمة من قسوة ودمار وشغف.

مباشرة، ماذا تقرأ هذه الأيام؟

يمكن لي أن أقول أقرأ مثلاً Shortt flights شذرات لكتّاب معاصرين فيه القليل من الجمال والكثير من السذاجة أو أعيد قراءة: في التفسير محاولة في فرويد لبول ريكور. لكني حقيقة منذ وقت أقرأ خراب العالم محاولا أن أنتبه أن ثمة تفصيل جميل هنا أو هناك.

 

ماذا عن الموسيقى؟

من دون موسيقى نحن ناقصون جدا جداً جداً. في عُرفي ليس ثمة معادل للفردوس سوى الموسيقى.

 

الحب؟

معليش بالعامية؟

أكيد.

(حلو الحب اذا ما كان مكركب (معقد كتير) بظن ما بيزبط إلا إذا كان نظيف، وبما أنو مش ديما نظيف شغل رب الفلاسفة وللي بيفكرو اللي بيحبو وبينحبو ومش فهمانيين كيف.. كما أنو من دونه ومن دون غنى تمثيلاته ما بتكمّل الحياة.

 

كيف تبدأ يومك عادة؟

في التفكير في إنهائه.

 

كلمة عن مجلة أوكسجين الثقافية؟

أحب أن هناك من ما يزال يفكر بأن يشخ على السائد.

 

سأختم بعبارة المقامر الجزائري المقيم في وارسو: أعمل وأخسر ولكني ألعب، بينما هم يعملون ويعملون فقط، بماذا تختم صديقي فراس سليمان؟

العبوا تصحوا.

وأضيف جملة من كتاب ( نهايات معطلة)/لست نرجسيا بما يكفي ليكون لي أسلوب/

المجموعات التي نشرتها لا تشبه بعضها. وتشبه أخطائي التي تستحق الحذف وأخطائي اللطيفة، إن وجدت، التي أتمنى لها طول البقاء.

__________________________________

فراس سليمان: شاعر من سورية مقيم في الولايات المتحدة. صدر له العديد من المجموعات الشعرية منها: “المدينة التي أسكنها بعيداً” 1989، و”رصيف” 1992، و”هوامش” 1995، و”امرأة مرآتها صياد أعزل” 2004، ومجموعة قصصية بعنوان “الأشعث والرجل الضليل” 1996. أحدث مجموعاته “نهايات معطلة” 2015.

*****

خاص بأوكسجين


شاعر من الجزائر صدر له "سعال ملائكة متعبين" 2010، "مائة وعشرون متراً عن البيت" 2012، و"الرقص بأطراف مستعارة" 2016، و"يوميات رجل إفريقي يرتدي قميصاً مزهراً، ويدخن L&M في زمن الثورة" 2019. و"مرثية الأبطال الخارقين" 2023.