حكاية عن البراز والأمل
العدد 178 | 14 أيلول 2015
زياد عبدالله


ليس من ضوء في آخر النفق

هناك قطعان من الخرفان والبقر والماعز

وماشية أخرى من الصعب تحديدها 

وجدت في الضوء مراعي لها

راحت تقتات عليه

تجتره 

وملأت سائر الأرجاء التي ينتهي إليها النفق بالبعر والخراء 

كان على من خرجوا من هذا النفق الطويل أن يحتفلوا بالروث الحيواني الذي كان ينتظرهم كما حقول الألغام، وروى شهود عيان أن أعدداً كثيرة من رواد النفق انفجرت بهم هذه الألغام، وغمرتهم بالبراز والأمل.

وفي هذا السياق ظهرت آراء عبقرية أكدت أن الروث الحيواني وما احتله من مساحات شاسعة تحول إلى سماد عضوي تشكّل جراء الاجترار المضني للحيوانات، وبما أن أصله من الضوء، فإنه من الضروري والتاريخي أن يعود الضوء وينبت من جديد، فأصل الحكاية الضوء وليس الروث.

انتظر من خرجوا من النفق طويلاً تحقق ذلك، إلا أن الأمر ازداد سوءاً، كما أنهم أخرسوا كل من قال أن كل ما ينبت من الروث سيكون معتماً وقاتماً، ومن المستحيل تحوله إلى الضوء، وقد اتهموا هؤلاء بأنهم خونة وسفلة وما إلى هنالك من صفات جاهزة يسهل الإلقاء بها في كل مكان وزمان.

لكن هذا ما حدث فقد أسفر السماد العضوي الخرائي عن بروز نباتات حالكة السواد، أزهرت أزهاراً بنية اللون ملأت الأرجاء والأضقاع برائحة البراز، وكان كل من يقطف واحدة من تلك الزهور يبقى إلى أبد الآبدين حاملاً رائحتها، وقد كان هؤلاء هم الأكثر حديثاً عن الشذى والعطور، كما لعب عدد آخر من رواد النفق دوراً بارزاً في تطوير هذه الزراعة وضاعفوا من مساحة زراعة النباتات حالكة السواد، إذ أصبحت مساحات مترامية ذات جغرافية وتضاريس محددة، معتبرين الأراضي التي  احتلتها هذه النباتات مثالاً ساطعاً على الوطن المرتجى، الوطن المشتهى، الوطن الذي تتنشق فيها رائحة الحرية ممتزجة برائحة البراز الحيواني المتأتي من اجترار الضوء، الضوء الذي هو أصل الحكاية وفصلها.

________________________________

روائي وشاعر من سورية صدر له شعراً “قبل الحبر بقليل” 2000، و”ملائكة الطرقات السريعة” 2005. من رواياته: “بر دبي” 2008، و”ديناميت” 2012.

الصورة للفوتوغرافي الأمريكي ألفريد ستيغليتز (Alfred Stieglitz) 1864– 1946

*****

خاص بأوكسجين


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.