حفاة يكرهون السماء
العدد 173 | 17 أيار 2015
نوّار جبور


الشخصيات:

 رزان: مُرشدة ومعالجة نفسية ثلاثينة العمر. جدية جداً، لكنها تفقد توازنها وشخصيتها الرزينة في كل انفعال

محمد: طفل عمره سبع سنين من غوطة دمشق. يُعاني من عقدة نفسية بسيطة في غالب الظن. جميل جداً لكنه لا ينظر إلى وجه أحد ولا إلى السماء.

المكان:

داخل بيت شبه آمن في الغوطة الشرقية.

 

 

الفصل الأول والوحيد

 

رزان: انظر إلي يا محمد؟

محمد: (ينظر إلى الأرض)  أراكِ أراكِ يا خالة ..

رزان: انظر إلي أيها الطفل الجميل؟

محمد: لكِ حذاء أنيق. وأعرفُ أن وجهك جميلٌ أيضاً.

رزان: (باستغراب) محمد لم ترَ وجهي جيداً لتحكم على جماله، ثم أريد أن أرى عينيك! 

محمد: وجهي ليس جميلاً هذا ما يقولهُ لي السقف.

رزان: السقف، أي سقف وما هو السقف؟ 

محمد: اللهُ في السقف…! 

رزان: الله في السماء يا محمد. 

محمد: لا لا السماء مُخيفة … أنا خائف (يبكي)

رزان: محمد ما بك؟ انظر إلي. 

محمد: أنت تُحبين السماء؟!

رزان: نعم أحبها! فيها الغيوم وتظهر الشمس على خصرها .. 

محمد: أنت حجرة منحطة..أنت حليب في إناءٍ مثقوب..

رزان: محمد اهدأ لا تنظر إلي …أجبني فقط ما بك؟ ماذا أصابك؟

محمد: لا أجيبُ الحيوانات والأحجار، أنت ساقطة. 

رزان: (تنهرهُ بقسوة وحزم فيرتعد مُحمد ويهدأ) اسكت ولنتحدث عما أزعجك، ما بك يا بني الجميل؟ لماذا تشتمني وأنت طفلٌ جميل، وعليك أن تكون هادئاً ومؤدباً. وأنا أحبك وأريدُ ان أسمعك وأعطيك الهدايا وأدعك تذهب للعب كل أسبوع. 

محمد: (يبكي وينسلُّ الحزن إلى كل حرفٍ في صوته) أتحبين السماء يا خالة؟ 

رزان: أحبها.. إنها نصف العالم!

محمد: أي سماء، تلك الزرقاء! 

رزان: نعم، ما بها؟ 

محمد: كم أنت سيئة ..(يقفرُ على الأرض ويلطمُ بيده قدمها).

رزان : (ترفعهُ بيديها وترتبك من غرابة تصرفه.)

محمد: (يُغلق عينيه بيديه) اتركيني يا عاشقة السماء. 

رزان: (تحضنهُ) قل لي ما بك يا بني. 

محمد: أكرهُ السماء.. وأكرهُ الشمس.. أحب السقف. 

رزان: السقف يغطينا إنه جميل. (تصمت وبخوف) لكن السماء تمنح العالم .. 

محمد: (بعنف) السماء حقيرة وقاتلة.

 رزان: ما بها السماء قُل لي.

 محمد: السقفُ أسود زواياه آمنة. أبحث عن زوايا سوداء لأطمئن.

 رزان: (تنظرُ إلى سقف الغرفة) الأسود على الزوايا سببته الرطوبة.

 محمد: إنه غطاء السقف.

 رزان: لماذا تكره السماء؟

 محمد: أُحبُ الأرض فقط، وأحب السقف لأنني أفتح عيني عندما أستيقظ فقط. 

رزان: حتى السقف لا تُحبه؟

 محمد: (يقترب من أذنِ رزان بحذر ويهمس) أُحب الأرض فقط، والسقف أراه مرغماً عندما أفتح عيني صباحاً. لكنني لا أحبُ سوى الأرض، ولا أحب أن أنظر إلى الأعلى.

رزان: هذه مشكلتنا لماذا لا تنظر إلى الأعلى قليلاً، وتتأمل جمال السماء سنحب السماء سوياً ما رأيك؟

 محمد: (يعود للبكاء البائس الضجر. بكاء بطيء ينم عن يأسه من أن تفهمه) لا أريد سوى الأرض.

رزان: ماذا يُوجد في السماء من بشاعة؟ فأنا لا أفهم ما تقول؟. ألا تُحب الله الذي في السماء؟ 

محمد: أحبه جداً، لكنه في  السقف أو في باطن الأرض؟ الله في الغالب في الحوافّ السوداء للسقف. فأنا أصلي أيضاً متجهاً نحو الزوايا فقط؟ 

رزان: (تنهار إلى حد كبير، وتنظر لمحمد بريبة. تتساءل بينها وبين نفسها أجُنَّ هذا الصبي) محمد هل لك أن تعرف عمرك؟ انظر إلي فقط أرجوك؟

محمد : حذاؤك جميل جداً يا خالة. عمري حوالي السبع مشاهدات.

رزان: مشاهدات أم سنين تقصد، لم  أفهم..!؟

محمد: رأيتُ البرميل والطائرة وروح أمي المتبخرة من بيتنا المهدوم نحو السماء. والصاروخ والقذيفة ولون قذيفة الدبابة في السماء. 

رزان: لكن ما معنى هذا؟

محمد: السماء عاهرة وحذاؤك جميل، وفي الأرض يتواجد الرب أو في زوايا السقف السوداء.

رزان: انظر إلي؟ 

محمد: حذاؤك جميل ودافئ مثل حضن امي؟ 

رزان: اصمت.

 محمد: أمي لها حضن دافئ كحذائك المرتفع عن الأرض. نحنُ في الغوطة نؤمن بالأرض والله الذي يسكن في باطن الأرض، نمشي حفاةً لكي نقترب من الله!

رزان: اصمت.

محمد: (يبكي) أكره السماء وأريدُ تقبيل حذائك . لكن لن أنظر إليك ولا إلى السماء. 

رزان: (تبكي) اصمت! أرجوك لا تنظر إلى السماء، معك حق إنها تحمل الطائرات.

محمد: حذاؤكِ جميل ودافئ كحضن أمي. والسماء سيئة وساقطة لأنها تحملُ البراميل والطائرات ولن أنظر إليها. حذاؤك يتسع لرأسي؟

رزان: قدماك جميلتان، واللهُ في باطن الأرض وفي حواف السقف. والسماءُ سيئة لأنها تحملُ الطائرات. لكنها قديسة لمرة واحدة وآمنة وطيبة.

محمد: السماء سيئة.  وأنتِ أيضاً …سيئة

رزان: اصمت! السماء جميلة لأنك رأيت روح أمك تصعد إليها…ألم تقل أنك رأيت روحها تصعد إلى السماء.

صمت.

__________________________________

كاتب من سورية

الصورة للفوتوغرافية التركية ايبرو جيلان Ebru Ceylan

*****

خاص بأوكسجين