حرب تضحك في بيتنا
العدد 220 | 14 تشرين الأول 2017
راما عرفات


حربٌ في بيتنا

حربٌ تمرُّ كحديثٍ بين حبيبين قديمين

يسألها ما الذي أتى بك

تقول: هكذا يزور العطر أماكنه القديمة

 

ما كنتُ أعرفه عن الحرب هو “فلسطين” و”العراق”، لم أكن أعي حينها فكرة الحرب، كنت فقط أريد المساهمة في إيقافها.

اليوم أضحك على نفسي وأربتُ على كتف تلك الصغيرة التي كنتُها في ما مضى، لو أمكنها أن تسمعني الآن لقلتُ لها عودي إلى البيت وارقصي لتتمكني من منح الحرب قبلةً حين تصل إليكِ، أنتِ محطتها القادمة.

لا ذكريات بيني وبين الأيام التي سبقت الحرب، والماضي بالنسبة لي فسحة صغيرة لايتجاوز عمرها سنوات سبع، والآن لا أذكر سوى الضمادات السيئة التي أشتريها باستمرار لأحتوي جراح  هبوط أسعار الأرواح التي انهارت دون اكتراث من أحد.

حدث كالصواريخ والقذائف والمجازر له عمر قصير كعمر الشرّ في صحون أمي الزجاجية وجسد ضعيف كالجوع الذي صار يمر في المدن ويحتلها كأنه “أخيل” ما، الفارق الوحيد أن لا “هيكتور” يمنعه و لا نقطة ضعف له في قدمه أو يده أو حتى قلبه.

التهمت الحرب روائحنا التي لم تعد مألوفة لأغطية الأسرة وستائر النوافذ وخشب المقاعد، وأسهم الحياة لم تعد تشير للوجهة الصحيحة، وأسماءنا لم تعد تعني شيئاَ سوى عكاكيز للأدعية التي تطلقها الأمهات لنا، نحن أحلامهنّ التي رُسم لها أن تموت أو أن تتوه بين المدن البعيدة.

هذه الحرب التي تعتقد أنها أليس في بلاد العجائب، وتتوقع منا دائماً أن نكون أرانبها الصغيرة التي تملأ قصصها وخيالها، والتي دائماً تدفع بجسد الحياة من سطح بناءٍ عالٍ مزدحم بالاستسلام إلى أسفل وتقول لشبح الموت: تلقاني.

الحرب التي تبدأ كأي حلم جميل و توقظنا على خبر يحمل ندباً في وجهه.

الحرب التي وشمت نفسها على جناح عصفور، هي ذاتها التي جعلت ظلنا الوحيد: طائرة الميغ.

الحرب، الكائن الغريب الذي يشبه ملعقة ساخنة منسية على النار في طبق كان سيتم التهامه.

الحرب التي سرقت السكاكر من جيوب الجدات ومنحت الأطفال حياة منتهية الصلاحية.

الحرب التي جعلت من قطرميزات المكدوس والجبنة في البيوت أقل ثقلاً، بينما ظهر الفرق في عدد الموتى.

الحرب التي أسرفت دماءً بحجم ثلاث مدن، لنكتشف أنها مجرد وعد قديم بالألم.

الحرب التي قالت للحب سرها فكنا أنتَ وأنا، روحين ممزقتين بين بلاد تلعب لعبة “شد الحبل “

بحسب نظرية النسبية لأينشتاين:

لو سافرنا بسرعة الضوء فالزمن سيتوقف حتماً، هذا يشبه حبي لكَ تماماً إلا أنه يشبه الحرب أكثر.

*****

خاص بأوكسجين


شاعرة من سورية. من أعمالها "حرب ورقة مقص"" 2016"