ثغرة في طابور الخفافيش
العدد 275 | 28 كانون الثاني 2023
طارق عباس زبارة


‏دخل المفتش إلى الصف، تتبعه مديرة المدرسة، قلقة، مرتبكة. تجمّد المعلم في مكانه، الصف مكتظ بالبنات؛ مئة وأربعون روحًا تتلقى التعليم المجاني، هيمن صمت مفاجئ، ووقفت البنات للتحية.

طلب المفتش بنبرة حازمة من البنات أن يجلسن، حام بنظراته على رؤوسهن، وبدت أشبه بأكياس صغيرة من القماش الأسود، سرب من الخفافيش، حام وحام، حتى….يا للهول! في الصف الثاني، المقعد الثالث يساراً، ثغرة في طابور الخفافيش، بنت بشعر مضفر، غير مكسية.

أشار بسبابته العظمية إلى رأسها ثم أخرج صفارة حديدية متوسطة الطول من جيبه، نفخ بكل قوته بشفتيه المكتنزتين اللتين تشبهان جحفلة الجمل، نفخ حتى رفرفت لحيته الطويلة السوداء. استجابت الخفافيش لندائه فورًا: وقفن على الكراسي، فردن أجنحتهن واشرأبت رقابهن في اتجاه البنت في الصف الثاني، المقعد الثالث يساراً. أعاد المفتش الصفارة إلى جيبه وأخرج منه عصا صغيرة من العاج، دق على الطاولة ثلاث مرات، ثم بدأ يقود جوقة الخفافيش وهي تغني بفحيح عالي النبرة: “كافرة، لعينة، وقحة…هينة، عليلة، سافلة”.

لكن البنت في الصف الثاني، المقعد الثالث يساراً، لم تكترث! نظر المفتش إليها بغضب، احمرت عيناه وبدأت جحفلة الجمل ترتجف.

“لماذا- هي- هنا؟” صرخ في وجه المديرة والمعلم، اللذين بدءا رويدًا رويداً في التحول إلى جرذين بعد كل صرخة منه، حتى هربا من الباب بصفير حاد.

نهضت البنت في الصف الثاني، المقعد الثالث يساراً، من كرسيها، تقدمت إلى جحفلة الجمل الملتحية، وبدأت تنشد بصوت عذب وهي تدور حول نفسها مثل درويش:

“أنا هنا لأقرأ… لأقرأ باسم ربّك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، لأقرأ وربك الأكرم، الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم”.

تراجع صاحب جحفلة الجمل إلى الخلف، وسكتت الخفافيش.

تقدمت البنت إلى النافذة، فردت جناحيها الملونين بألوان قوس قزح، فغمرت المكان كله بألوان جناحيها. بدأت الخفافيش تخلع أكياسها وتتحول إلى طيور مستعيدة ألوانها واحدة تلو الأخرى، سطعت الألوان حتى اختفى الأسود تمامًا.

توجهت البنات إلى المفتش المفزوع، لم تعد تنفعه لا صفارته ولا عصى العاج، تحول سريعا إلى عنكبوت كبير وقفز فارّاً من النافذة.

 

*****

خاص بأوكسجين


كاتب من اليمن مقيم في ألمانيا.