بيوغرافيا أوكسجين
العدد 276 | 12 آذار 2023
زياد عبدالله


مقتطف طويل من مقدمة “كتاب أوكسجين 1” يضيء على وقائع نشأة مجلة أوكسجين:

–        من كثافة في الأحلام مساوية لكثافة الواقع العربي الخانق بدأ البحث عن أوكسجين.

–        من كثافة في الإيمان بالإبداع، وحرية الإبداع المساوية لكثافة الكفر بالسائد في المشهد الثقافي العربي بدأ البحث عن أوكسجين.

–        ترعرعت أوكسجين في ظلال الأبراج الشاهقة وعلى قارعة الطرقات السريعة وهدير مكيفات الهواء في دبي.

–        ترعرعت أوكسجين في جلسات بيتية تمتد إلى مطلع الفجر، وفي المقاهي والحانات وأزقة وفنادق البراحة وشارع نايف وميدان ناصر.

–        كنا ستة: أنا الذي أدعى زياد عبدالله وسوسن سلامة وأسامة إسماعيل وأسامة شعبان وحازم سليمان وفادي سليمان الراهب. خمسة سوريين وسورية يعملون في دبي.

–        أفكار وأحلام وتطلعات واهتمامات مشتركة أكثر من كثيرة جمعتنا، وقبل ذلك الحب والصداقة العميقة والمؤثرة والمترامية.

–        بشر حالمون مرهفون ثقافتهم خاصة ومغايرة ومثالية وصدامية أغلبهم يعمل في أعتى الشركات الرأسمالية العابرة للقارات.

–        التناقض بين الزمن المتدفق لدرجة الجنون في دبي والمتوقف لدرجة الجنون في سورية أفضى إلى ولادة زمن أوكسجيني خاص بمقدوره إيقاف الزمن الواقعي، وتحريكه كيفما شاء، وعينه في الوقت ذاته على الواقع والعالم من حوله.

–        بعد مناقشات كثيرة سألني أسامة إسماعيل يوماً ما الذي نحتاجه لنشر رؤيتنا الخاصة في الفن والكتابة؟ موقعٌ إلكتروني كانت إجابتي! وفي اليوم التالي أرسل لي رابطاً بالموقع! وقال إن لديه من يبرمج الموقع.

–        صمم فادي سليمان الراهب الموقع وشعاره، وكانا تجسيداً لبيان أوكسجين بصنيع فنانٍ ونحات يعرف خفايا الغرافيك.

–        لم أطلب مشاركات على صعيد مواد العدد الأول من أحد خارج نطاق الأصدقاء سالفي الذكر. الاستثناء الوحيد كان الصديق المترجم أسامة منزلجي الذي زوّدني بمقطع من رواية جان جينيه “شعائر الجنازة”. وظل يمدّ أوكسجين إلى ما لا نهاية بترجماته بحماس وانحياز كبيرين لهذه التجربة.

–        صدر العدد الأول وقامت الدنيا ولم تقعد.

–        لم تترك المواد المنشورة محرّماً إلا وخرقته بأسلوبية جديدة تنبض حياة ومغامرة وتجريباً وسخرية وشغفاً.

–        استفزت المواد كُثراً إيجاباً وسلباً، لعناً ومباركة.

–        جسّدت مواد العدد الأول بيان أوكسجين، وكانت نموذجاً لما نرى عليه الأدب والفن.

–        تضمن العدد الأول مادة بعنوان “كاميرا تستنطق مبولة” لوسام الدكر، وهو صديق طفولتي أرسلَ لي يوماً هذا النص العجيب رفقة صور لمبولة القلعة في مدينة اللاذقية، فنشرته مع صوره وكان هذا أول وآخر نص ينشره وسام.

–        إلى جانب مادة وسام نشر حازم سليمان “نساءٌ صنعن أيامي” وكان هناك فصل من رواية جينيه سالفة الذكر ومقال لنايبول بعنوان “حضارتنا الكونية” من ترجمتي إلى جانب قصيدة لي بعنوان “الآسيوي”، ومادتين كتبتهما باسمين مستعارين الأولى باسم ورد سلامة، وحملت عنوان “حلول سرية لعادات علنية”، والثانية باسم سهى الباهي بعنوان “في أحكام تقوير الكوسى”، إضافة لزاويتي “استراقات” المواظب على كتابتها حتى تاريخه.

–        إلى جانب “استراقات” كانت هناك زاوية لأسامة إسماعيل بعنوان “قطع وصل”، و”أحلام تسجيلية” يكتبها فادي سليمان الراهب، و”بورتريه حي ومباشر” لحازم سليمان.

–        لم يكن ممن أسسوا أوكسجين سواي أنا وحازم سليمان على علاقة احترافية بالكتابة والصحافة. كان حازم حينها قد أصدر مجموعتين قصصيتين، بينما كنت قد أصدرت مجموعتين شعريتين.

–        كنتُ مؤمناً أن تصدير ما نجده أدباً هو دعوتنا لمن يتشاركه معنا، ولذلك واظبت في الأعداد الأولى على كتابة بعض المواد بأسماء مستعارة، وساهم حازم سليمان أيضاً في مواد نشرت باسم أيلول اسكيف.

–        بدأت أوكسجين كمجلة أسبوعية، وكان الإيقاع مُنهِكاً بحق، وكل عدد يتضمن 12 مادة.

–        مارسنا في أوكسجين شتّى صنوف الكتابة، كتبنا ما يُكتب وما لا يكتب، كتبنا عن كل شيء بواقعية وخيال، بجنون ورصانة، عقبنا وعلّقنا على ما يحصل وسيحصل، وكنّا تارة كمن يغني في الجنة، وأخرى في قلب الجحيم، على حافة الهاوية أو على شاطئ بحر لازوردي.

–        شكّلتْ أوكسجين بدايةً للكثيرين ممن خاضوا غمارها، ابتداءً بمن أسسوها، وهكذا كانت أوكسجين البدايات دائماً ومع كل بداية تجريب.

–        نسبة كبيرة ممن ساهموا في أوكسجين نشروا فيها للمرة الأولى في حياتهم، وكُثر نشروا في أوكسجين فقط، وهذا مستمر حتى تاريخه.

–        اعتباراً من العدد الثالث صارت ترِدُنا موادٌ يعتدّ ويحتفى بها، وبدا وضوحاً اتساع نطاق من يتشاركون معنا الحساسية والحماسة نفسها.

–        كانت كل مادة تردُنا تخضع لتصويت المؤسسين، وليصبّ كل شيء عند سوسن سلامة التي تتولى تدقيق واختيار الصور، وكل ما يحتاجه العدد ليصدر بكامل بهائه ووقعه.

–        أسماء كثيرة ممن أصبح لها حضورها الآن نشروا للمرة الأولى في أوكسجين.

–        تواصل هذا الإيقاع تقريب السنتين، ومن ثم خفّ حماس الأصدقاء المؤسسين، وباتوا في عام 2007 يبتعدون واحداً بعد الآخر عن أوكسجين.

–        بقيت أنا وسوسن سلامة وثالثنا أوكسجين حتى تاريخه.

–        بقيت الصداقة على قوتها وعمقها مع من أسسوا أوكسجين. ومع مرور الزمن لم أعد أتساءل ما إذا كانوا يقرؤون أوكسجين!

–        أجريت تعديلات متسقة مع إيقاع حياتي أنا وسوسن الحبيبة وشريكة العمر وصيّرتها مجلة نصف شهرية.

–        أبقيت على حقيقة أن إصدار عدد أوكسجيني أشبه بعملية تأليف للعدد، على شاكلة “التقييم الفني” Curating ، وقد اتسع نطاق من يعرفون جيداً ماهية أوكسجين واتساق إبداعهم/ إبداعهن معها.

–        تعرضت أوكسجين للكثير من القرصنة الإلكترونية من المتزمّتين وأعداء الجمال والحرية، لا بل أصبحت قُبلةً للقراصنة الجهاديين، حتى أنني لفترات طويلة صرت كلما فتحت الموقع ألتقط أنفاسي لحين ظهوره على الشاشة.

–        حُجبت أوكسجين في عدة دول، وعانت من انقطاعات في صدور الأعداد أتحمل شخصياً مسؤوليتها ومردها إلى غرقي في رواية أؤلفها أو انشغالات أخرى وصولاً إلى مزاجي وملحقاته اللعينة.

–        كاد الانقطاع عن إصدار أوكسجين مُكرهاً أو بإرادتي مؤلماً على الدوام، اختناقاً، انخفاضاً في منسوب الأوكسجين في حياتي.

–        في 21 تموز/ يوليو 2013 كانت الانطلاقة الثانية لأوكسجين

–        عشنا الأمل في أوكسجين، ونُشرت أعدادٌ بأكملها عن الثورات العربية.

–        خرجت جحافل العتمة مع أول إشراقة ضوء.

–        ما كنتُ أجده كارثياً أصبح لا شيء مقارنة بالكوارث التي نزلت من كل حدب وصوب.

–        تحول الوطن المتآكل بالاستبداد والفساد والرداءة إلى اللا وطن.

–        سقط جدار الخوف، ثم نهض من جديد، وشهدت المنطقة وحشية وقمعاً لا عهد لأحد بهما.

–        بدا أن كل ما كان مسلَّماً به بحاجة إلى إعادة تعريف: الوطن والاحتلال والتسلط والاستبداد والعدو والصديق والدولة والانتماء…

–        في 8 شباط/فبراير 2016 تعرضت أوكسجين لأعنف عملية قرصنة شهدَتها على الإطلاق، أُزيلت بأكملها من على الإنترنت، ولذلك فإن الأرشيف الحالي على موقع المجلة لا يبدأ إلا بالأعداد الصادرة في عام 2013، ولا أعرف ما إذا كان ذلك من محاسن الصدف لكون عدد كبير من مواد تلك الأعداد التي لم ننجح في استعادتها ستنشر تباعاً في سلسلة كتب أوكسجين.

–        لطالما كان حديثي عن البدايات في أوكسجين سواء جراء ما كان ينالها من قرصنات وهجمات وعوائق، وهي تعود وتظهر كما لو أن شيئاً لم يحدث، أو لإيماني الراسخ بالتجريب بوصفه ينتمي إلى البدء، بما لا وجود له في السابق.

–        إنّ أدباً أو فناً لا يكون منفتحاً على التجريب لا معنى له، وغالباً هراءً بهراء، فمن يكرر نفسه في كل ما يؤلفه متبعاً قواعد مدرسية أو مستنسخاً هذا وذاك فمن الأشرف له أن يكون كاتب عدل، بما يشبه أيضاً رساماً يبقى يكرر الأسلوب ذاته في لوحاته ويستنسخ هذا وذاك فمن الأفضل أن يوصف بالحِرْفيّ.

–        ما تقدم لا ينفي سياقاً إبداعياً ومؤثرات وتقاطعات حاضرة بالتأكيد لكن بوصفها تحفيزاً أبدياً نحو الجديد المتجدد.

–        لست سيزيفياً ولا أريد كلما وصلتُ قمة الجبل بصخرتي أن تتدحرج… لا أبداً! لكن ثمّة ما أضيف على إيماني بالبدايات وضروراتها، وأنا أرى الجزء الأكبر من منطقتنا العربية في السنوات العشر الأخيرة “خربةً وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة”.

–        كتاب أوكسجين هذا بداية أيضاً على أمل أو شقاء كما دائماً.

*****

خاص بأوكسجين


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.