الحـفـرة
العدد 214 | 13 حزيران 2017
أحمد دياب


في ليل طيب بلا عتمة

كان ضرورياً أن أقف في شارع كهذا

لأرى وجوه المارة

لأرى لون العربات

لأكون منطفئا كعادتي.

 قالت العجوز التي تبيع المناديل:

– خذ نفسك لمكان أقل فرحاً

وأكثر بكاء،

اشترِ مني

فقد تشتاق لأصدقاء موسميين

فالحرارة التي في عناق أحدهم

أشد من شمس، وأحن من وطن.

لم آوِ إلى صدر وردة مباشرة

كنت أخطو على شوكها المرّ أولاً

لأتلذذ بالقسوة الحنونة

ولم آوِ إليها

وهى تقيم شعائر الغناء المُخبئ.

لا أهتم ببائع التين

التين الذي توحَّمت عليه امرأة

مريضة بالحنان.

لماذا دخلتم عليّ

وأنا أقيس بيدي

صخرتين في صدر الوهم؟

لا لشيء

فقط لتدركوا أن اليقين

عقرب الثواني في ساعة الانتظار.

انزل من الجبل

إلى نخل ما اعترف بثورة قط

إلى نهر لم يعرف السياسة

وظل يجري إلى فرحة الحفر بطوفانه.

تكون للبكاء ضرورة

وللسم صراخاً يليق بالخيانة

يكون الواحد في المساء

عقربا يلدغ العتمة

 ليرى أن الذي يقف بين جثة الحلم

وبين أعضائه الزائدة عن اللازم

روحاً أخرى.

كنت أخذت نفْسي مرة إلى هناك

وقلت لن أحرمكم متعة الدفن.

أيها الحمام المرتب في طيرانه،

المغرد في نقاء الدنيا

حرِّض معي

لنكون خارج الحفر.

خطوتي ثقيلة كالجبل

ولم أجد أحداً

غير الهدهد والغراب الطيب

الإنسان الجبان لم يأت

كلهم ضاجعتهم البلاد

ولم ترض عنهم نساؤهم،

لفظتهم البيوت مرة ولن يعودوا

ونجوت أنا.

بين خيط وجلدي إبرة

ترتق العذابات القديمة

والمواعيد الخاسرة.

أنا لن أجرب الغرق

سأردم الحفرة

ولن اخترق العتمة وهي في خدر السواد.

طالما أن الضوء يضرب الشبابيك

طالما أن العمود يحمل الكشاف

المعتدي على الحوائط المقابلة.

فالأعتاب لم تدارِ سوءة الغائبين

ورائحة الخروج

فيهرم خشب الباب

وتبيض عيون البنات

المكتحلات بفرحة المجيء.

يا حبيبتي يا أمي

خالتي الأرض تُوقِع القطار

وتبتلع الحفر حقائب المسافرين

حقائب الغربة يا أمي.

لولا أن الريح دفعتني من الخلف

وسهلت الخطى،

لولا دمي

الذى تركته على أرصفة المحطات القديمة

وقلت سيفوت الزمن من هنا

حتما سيمر.

لا تثقوا بي هذا المساء

أنا تتعبني رفاهية الأرجل البطيئة

التي لم تجرب التعثر

سيمر الضوء ﻻ تخافوا

يا سيدنا الجبل

الحصى يصعد معي إلى فوق

والبلاد تحت

يا سيدنا الجبل.

*****

خاص بأوكسجين


شاعر من مصر.

مساهمات أخرى للكاتب/ة: