البغل
العدد 179 | 29 أيلول 2015
فؤاد ساري


كانت مكانته في البغال عالية!

وبذل جهوداً حثيثة في ترسيخ مكانته تلك، لا بل إن طموحه البغلي وضعه في مصافي البغال المبشرين بحيازة مناصب في الحكومة الانتقالية، المزمع إطلاقها قريباً، والتي ستنقل أوطانا بأكملها إلى بر الأمان، وقد كان على من يقومون بهذه المهمة النبيلة أن يتحلوا بقدرات كبيرة على تحمل الصعاب، بعد الاطمئنان على خاصية العناد التي ليس بمقدور أحد أن ينازع البغال عليها.

وفي معرض حديثه عن حياته الممزقة التي بدت على الشاشة كما لو أنها قطعة حرير تناوبت عليها سكاكين الغدر ومزقتها، توقف مراراً ليشير إلى أن ما حدث معه لا شيء مقارنة بغيره من عامة الشعب ومعشر المقتولين المهجرين، وأمطر المحاورين بسيل عارم من الأسى والحزن، أتبعه بدمعة سخية، أراد أن يوقف الحوار من جرائها، إلا أنه تحامل على حزنه العميق وأكمل، ثم عاد إلى حياته التي شكّلت منجماً لكل ما هو نفيس وثمين، وأن حياته التي ما زالت متواصلة كانت تعرف جيداً الموت وأنه كان بانتظارنا – يقصد الموت –  فاتحاً شدقيه لابتلاع سائر الأوطان الوادعة المشرقة.

وفي ملمح من ملامح البغل الذي يعود نسبه إليه، فقد قال شيئاً مثل “الكلاب تعوي والقافلة تسير”، وقد أثار هذا لغطاً كبيراً، بعد عجزه عن تحديد من هي تلك الكلاب؟ وما إذا كان كل من ينتقده هو كلب؟ مؤكداً أن ذلك صحيح، فهو من صنع القافلة، لا بل هو القافلة والمسار والوجهة، والمهم أن تواصل مسيرها ولو على جثة كل من يقف في طريقها، وليعتبر ذلك إضافة نوعية على القول الشهير، وقد استرسل في ذلك إلى درجة توسيعه قائمة من هم من الكلاب، بحيث شملت كل واقف لا يتحرك مع القافلة، ومن هو متعب من جراء تنقلات تلك القافلة وانعطافاتها العاجز عن توقعها أحد، وكل من هو مسرع أم متمهل أو غير ذلك ممن يعيقون مسير القافلة ..إلخ فالمهم أن تسير القافلة وتمضي، و”الكلاب ما أكثر الكلاب” مؤكداً أن لا مكان لها وأن نهشها وعضها له لن تؤثر فيه ولن تنال منه، وأنه عصي على داء الكلب فهو بغل أصيل.

__________________________________

كاتب من سورية

الصورة للفوتوغرافية الأمريكية برنيس ابوت (Berenice Abbott)

*****

خاص بأوكسجين