الاسطرلاب
العدد 144 | 09 كانون الثاني 2014
فجر يعقوب


جلس عوكل قبالتي متوتراً، وهو ينفث دخان سيجارته بعصبية واضحة. كان عقب السيجارة محمراً قليلاً. ظننت لأول وهلة أنه متورط بعملية احتيال كبيرة تكدر عليه صفوه، ولكنني استبعدت ذلك،  فهو يبدو بريئاً، ومن الصعب تخيله متورطاً بكتابة مصير مختلف لنفسه وروحه المعذبة. رشف من كوب الشاي الأسود الثقيل ما ينفي عنه التهمة المحتملة، وطفق يتحدث موارباً عن جذوره. أدركت بعد ساعة من حديثه أن طبيعة مهنته تمنعه من الانزلاق  في أي عمليات مشبوهة، ولكن ثمة ما يضغط على أعصابه، ويدفعه لأن يتحدث بانفعال لم أشهده عند مخلوق من قبل. 

كان عوكل قد أدركه السأم حين لمح النعاس يتسلل إلى جفني. فأمر لي بكأس شاي ثانٍ. ورجاني أن أستمع إليه جيداً، لأن ما سيقوله عن صاحب الخمار والجابية كفيل بانجاز فيلم بوليسي عنهما. قال ذلك من باب المماحكة. لم يتورع أثناء تقديمه رشواته المتتالية من الشاي الأسود الثقيل أن يحشر نفسه في ثنايا القصة.  كان يتنحنح عندما يجيء على أفعاله باستخدامه مفردات محلية لم تميزه عن أهل المنطقة. أظنه بدأ ينسى لهجته الفلسطينية، وهو لم ينكر ذلك، بل بدا منتشياً جرّاء ذلك:

-أستاذ هاي الشام. دخيل اسمها. دخيلو. هوا الشام يا أستاذ حنون. أنا درت ولفيت وشفت بلاد ومتلها ماشفت. 

كنت أبدي تعجبي منه. وأنا أراقب كلماته التي يطلقها تباعاً. بدأت أظن أنه كان يتابع بعض المسلسلات الشامية التي غصّت بها الفضائيات في الآونة الأخيرة. وبدا أن تأثره دفعه لأن يتسّلم ناصية الحديث من عند هذه الزاوية، ولكنه حلف أغلظ الأيمان أنه لا يملك جهاز تلفزيون في مقر اقامته: 

-شو أستاذ من كل عقلك مفكر إنو ممكن اجعزون  بأنقر ونقير جداد؟ 

لم أجب على تساؤله بخصوص ساكني الضريحين، لكن اصراره على استخدام مفردات شامية بدأ يثيرني أكثر، فأكثر. أردت أن أعرف سبب اصراره على ذلك. كنت متيقناً أن أقرانه كانوا يتبارون بينهم في استخدام اللهجة الخاصة بهم حتى أنها كانت تتحول إلى حميات فكاهية، أكثر من اصرارهم على التمسك بها في مواجهة عوامل كثيرة كانت تتسبب بانزلاق قصصهم  في مهاوي ترديات  شبيهة بجائحات أمراض فتاكة لاتنتهي.

كان عوكل يحيرني بصمته أكثر من كلامه حين يتدفق كسيل جارف بعد أن يقوم برشق قصته عن طريق اختراع مفردات يتداخل بعضها ببعض بطريقة خزّاف مستبد. لم يكن يتوقف. ما إن تخرج كلمة واحدة من فمه مختلطة مع دخان سيجارته، حتى يصمت خلسة. ويتوقف هنيهة عن سرد حكايته مع القديسين. كنت أخاله بصمته المتقن يتقصد أن يتحول إلى قديس ثالث. كان يدرك فن الحكاية، ويعرف أين يقف، وأين يقطع كلامه، ليقرأ ردّات فعلي خفية. 

لقد جاء على حديث غريب في تلك الليلة. أعطى تواريخ متضاربة عن وصوله إلى حي الحريقة برفقة أهله. أخذ  يهرف بما يشبه شبقاً ناقصاً يشتعل في غير مكانه. يوضح بإشارات من أصابعه المستدقة الطويلة كيف قصف الفرنسيون حي سيدي عامود بقذيفة واحدة، وأشعلوا فيه حريقاً نسب إليه اسم الحي لاحقاً. 

سمع عوكل من مصدر غامض كيف قام الشيخ السروجي بالتصدي للقنابل بيديه. لم يكن ممكناً تصديق روايته، فالجامع شيّد فوق مقام الشيخ أحمد السروجي في حي الشاغور قبل هذا الوقت بكثير. لا أعرف كيف تمّكن من خلط معلوماته المتضاربة بهذه الطريقة، ليخلص إلى نتيجة غير قابلة للدحض كما كان يقول، وهو يواصل تلذذه بحديثه من دون أن يعير انتباهاً بفطنته غير المحدودة المكتسبة من دهاء سيدين تشكل بفعل الزمن مع كل حدث يمر عليه.

كان عوكل يدرك فن الحكاية أكثر مني. أدهشني بتلميحاته إلى تاريخ جديد لحلوله مع أهله في دمشق. لم يكن سهلاً تقبّل حكايته أو تمرريها من دون دحض مضاد. كان بوسعي أن ألطمه على وجهه حتى يصحو، ولكن إصراره على روايته، ومعرفته بتفاصيل مهمة من حكاية صاحب الخمار والجابية كانت تضفي رونقاً ومذاقاً لم أحس بهما من قبل حين كنت أتحدث إلى أصدقاء فلسطينيين عن واقعة تاريخية بديهية ومسلم بها. صحيح أنها لم تكن كلها صحيحة، ولكن التشويش الذي طالها كان يعكس رواية مختلفة، لم يكن ممكناً الاستماع إليها من مصدر آخر غير عوكل. لم أنتبه مع مرور الوقت إلى أن حارس الضريحين الطويل كان ينكمش على نفسه رويداً رويداً، وأخذ مع مرور الوقت ينحو باللائمة على سدّادة الليل.  أصبح بحجم كيس قنب صغير. كان ينوي مداراة اللعبة نفسها بلعبة أشد دهاء، ولكن لم يفتني ذلك. عوكل لم يكن سوى حارس في لعبة خاسرة. ربما لم يدرك التوقيت الذي قصّ فيه حكايته. أو أن قدراً خانه، وهو يقبل على روايتها في مثل هذا المكان. 

قام فجأة. حسم أشياء مؤجلة بقيامه. كان يؤمن بفكرة الظهور. وهو لم يشرحها لي. لم يقل عنها أشياء مهمة، ولكنه ألمّح إليها. لم أكن أعرف  صلته بها. وأشك أن يكون قد قرأ شيئاً عنها. إحساسه بها بدا متعاظماً. الطقوس مختلفة بين الضريحين اللذين أنشأ عليهما حياته وروايته. أضاع الأولى حين قرر الاحتفاظ بمتعة الثانية. وفوق تلك اللحظة الحارقة التي تنبعث من الأشباح، والأفكار، والحرائق في المدن الكبيرة حين تفتقد إلى مهارة الثلوج في عكس الشموس الباردة، أضيئت صفحات كثيرة، وتبددت معها معالم حياة واقعية. لم تكن سوى حياة عوكل.

كان حكاية قصيرة منفردة رغم طوله ومَدّةِ ذراعيه اللذين يقتحم بهما المسافة بين الضريحين من زاويته. لم يكن ممكناً الانحناء أكثر أمام روايته. وسأعمل على مسامحته لأنه أفسد عليّ متعة هذا الهواء العليل برواية فاقسة ورديئة.

غادرت المقهى باتجاه سوق مدحت باشا. لم أكن متيقظاً كفاية لأستمع إلى روايته. وأكثر ما فاجأني بها هو ادعاؤه بوجود تاريخ مختلف لنزوحه مع أهله إلى دمشق. قد يكون أمراً سهلاً عدم تصديق روايته من أساسها، لكن معرفته بالحميات الدمشقية كانت تؤهله عندي لأقول شيئاً مختلفاً. 

استقريت على فكرة أن أطلع خلو أبو نافعة على حكاية عوكل. لم أدلف كعادتي من بوابة ردّ الفعل. هنا يفشل أبو نافعة في تهكمه، مهما بلغت جرأته في النيل من القضايا الكبرى التي يعرج عليها أحياناً بقلمه. عوكل لن يكون قضية كبرى من قضاياه. أعرفه جيداً. لن يقف كمتفرج على حديث من هذا النوع. “هنا يقع الاسطرلاب في الحكاية كلها”. سيقهقه ضاحكاً ويتلوى. قد يقع على قفاه. خلو يستخدم مفهوم “الاسطرلاب الشخصي” في التعليق على أمر حين يعجز تماماً عن تفسير الحالة التي يتصدى لها. نوع من الانفصام اللغوي الغريب يمارسه أحياناً.  الحكاية لن تحمل وجوهاً سافرة أو ملغومة. سيقع على تواريخ متفق عليها. وسيجيء حارس ضريحين مقدسين ليقول شيئاً مختلفاً عنها، ويقف حائراً، فلا يستطيع أن ينكر حكاية عوكل عن مئة سنة سابقة حملت في أدراجها قصصاً عن غفلات باردة وساخنة كانت تميز داليات الشام وتقلباتها في الأسواق. سيشكل عوكل بحكايته بيضة القبان في كل شيء، وسيفهم خلو أبو نافعة أن هناك نهاية لكل شيء. حتى الخزانة التي تميز غرفته في مبنى الجريدة الحكومية سيكون سهلاً ابداء الشك فيها. ولن يستطيع معاداة الجميع من أجل تأكيد رواية غير متفق عليها.

وصلت إلى الفتحة التي تصل الضريحين ببعضهما. ووجدت عوكل  يسد الطريق على المارة من هناك بجسمه الطويل. لم يبد عليه التأثر حين رآني. كأننا لم نلتق أونتحدث منذ قليل. كأننا لم نلتق أصلاً هذا المساء، فلم يظهر أي رد فعل على اقتحامي خلوته في نهاية ليلة سقيمة وباردة.

  أصبح الهواء بارداً ويلسع الأطراف، وصار مهماً أن أصل غرفتي لأغيّر قليلاً من هذه المعادلة المناخية الطارئة. ففي المقهى الصغير كان الجو حاراً ويدعو للتعرق، أما هنا عند الضريحين، فكان الجو بارداً وغريباً.

لم أفهم سبباً لذلك. ربما كان بوسع الحارس الطويل أن يقول شيئاً عنه. من المؤكد أن من اختار بناء الضريحين هنا يدرك معنى ذلك. بكلمة صريحة يبدو لي أن عوكل يعرف أشياء كثيرة عن سر انقلاب الطقس بين حارتين. هل ثمة حركة غريبة هنا لمسار النجوم والكواكب السيّارة التي تملأ سماء دمشق؟ سألت نفسي وأنا أراقب الرجل الذي مرّ فجأة بمحاذاة عوكل، وهمس شيئاً بأذنه واختفى. كانت حركة لافتة تلك التي ميّزت نظرة عوكل المضطربة نحوي. ثمة أسرار اذن تدور هنا في الخفاء. ليس من المؤكد ما إذا كانت مراقبة ثنائية القبة السماوية من هذه البقعة الصغيرة ستتيح فهم حركة الأشخاص على الأرض. ضحكت في سري. هنا لايعود ممكناً الانفصال عن أفكار خلو أبو نافعة، فالاسطرلاب الشخصي كان يعني أيضاً بالنسبة إليه المراقبة الحكومية لحركة الناس في الأسواق، وأماكن التجمعات العامة، والمقاهي، والمساجد. كان خلو يضيف أوزاناً أشد ثقلاً حين يقول إن ذات الصفائح التي تحدث عنها العالم الدمشقي ابن الشاطر هي ثنائية الأبعاد التي اكتشفتها العرب قبل استوديوات ديزني بوقت كثير، وأن هذه التقنية – كان يشدد عليها  – تسهل عمليات المراقبة من فوق.

بحسب نظرية خلو أبو نافعة فإن عوكل قد أصبح موضوع مراقبة. فالرجل يملك أسرار بقعة خطرة. بقعة يمكن أن تعدل أو تغير من تاريخ المدينة نفسها. وقد تفيدني في متابعة حركة الزوجة اليمنية الثالثة. وقد كدت أن أنساها في غمرة متابعتي لعوكل، ومكابداته في العشق الذكوري.

سترد الملاحظة بشكل اعتباطي، فليس ثمة مايدلل هنا على نفوره من المرأة. ولكن ثمة انحراف تبدى لي في حديثه لم أكن متأكداً منه، وقد أعطى بعض الاشارات التي تسمح باجراء كشف على معدات العرض الذكوري عنده. لم يكن مولعاً بالحديث عن الجابية قدر ولعه بالمجيء على رواية صاحب الخمار. كان يبدي شبقاً عجيباً حين يأتي على قصة ارتدائه الخمار، والطريقة التي تفنن بها حتى يخفي وجهه عن الجميع. كان يطلق على ذلك ” البشنقة “، ويقول إن ذلك جاء مع البوشناق الذين وفدوا إلى إلى الأرياف الفلسطينية من البوسنة والهرسك وأقاموا فيها، وكانت لهم عاداتهم بارتداء الاشاربات التي أثرّت في السكان الأصليين. كان ينوه بأنها عادات معتدلة ولاتحمل بذور التطرف الذي يحمله نقاب نورسين المذحجي. كان يفور من اللذة المبطنة التي تظهر بين ثنايا كلماته المنتقاة بعناية وحذر شديدين، وفي ثانية واحدة أسرع من انفجار كتلة برقية خفيفة كان يتحسس خصيتيه، وقد تجمد وجهه تماماً.  كان أقرب إلى الحجر الطيني في انحناءة مرسومة باتقان.

لم يكن صاحب الخمار يملك مرآة تسمح برؤية وجهه. الروايات المتطابقة من حوله أكدت تنشؤ ميل أنثوي في سلوكه بعد أن مضت فترة طويلة على ارتدائه النقاب. طريقة مشيته. تقصعه. خفره. لم يكن ينقصه سوى الدلال، فقد حرم منه، وفارقه منذ أن أجهزت تلك المرأة المشؤومة على عدّته بسكين ثلم ولئيم.

كان عوكل يدرك بحدسه أن حكاية صاحب الخمار لم تكتمل عند هذا الحد. ربما لاتكتمل حتى من بعد مرور تلك القرون. :” ياأستاذ لايصح إلا الصحيح في النهاية”. كان يبدي اعتراضات شقية على اختلافات في تشقق الحكاية، والتياعات صاحبها التي رفعته حد القداسة والقديسين. كيف يمكن لقلب بشري أن يتحمل كل هذا الألم. كان يتساءل عوكل كل صباح، وكان يبدو لي محقاً تماماً بتساؤلاته المعذبة. 

لم يكن حارس الضريحين قد أضاع بوصلته الداخلية حين دخل عبر هذا الاتصال ليقيم مملكته في الظل. لم يكن قد سمع بها من قبل، ولكنه كان بتسلله بين صوتينا يؤسس لمعجزة اضافية. حتى أن تفسيراته لانقلاب الطقس بين حارتين لم تكن تخضع للمنطق. مايحدث هنا قريب من فروض الخيال التي تؤججها نيران الشهوة واللذة في  تنويم حكاية غير مكتملة. كان عوكل يردد باسماً على مسامعي: “- أن تأكل سفرجلة كل صباح، وأنت فوق سريرك، يعني أن تكون محظوظاً، أوأن تكون أبلهاً بمافيه الكفاية”.

في غرفة المنام كان يحدث كل شيء في برهة واحدة. لاتنقلب على حجج وذرائع عوكل في اخفاء عملية الصباح السرية كما كشف لي لاحقاً في اعترافاته. لم تكن هذه العملية من اختصاص رجل.  كانت أقرب إلى تأنيث حالة مضطرمة تتفسخ جراء أشواق تائهة. كانت توجهها حالة غريبة من محاولات تفسيرها أو الوقوف على أسرارها. وكان عوكل يحاول دائماً أن يصل إلى تسريبات الهيام الذكورية التي بات يتخفف منها مع ادمانه على عملياته السرية في الغرفة التي تقع في الوسط بين الضريحين. حتى أصبحت جزءاً من فطوره الصباحي غير المكتمل. 

لم يكن القوس الأنثوي هو ما يقلقه في تحولاته. ربما لا تعدو حالة متأثرة بصاحب الخمار نفسه. ولكن أنفاس النهار اللاحقة كانت تثقل عليه. صحيح أنه كان حريصاً ألا يعرف أحد من حوله طقوسه الصباحية، فقد كانت تكفيه أن يقوم بها، وأن يتجرد من الخمار الذي كان يتفنن بارتدائه أمام المرآة مع استخدام خفيف لأقلام الروج التي كان يقتنيها من باعة الأرصفة. كانت  بضاعة صينية رخيصة  تحمل سموماً بداخلها أكثر من طين الاغراء الذي كان يقصده بذاته. 

طقس الصباح لم يعد كذلك مع تسرب أخبار عوكل لبعض المعارف والمهتمين بأحوال الضريحين. أصبح البعض يهمس للبعض حين يمر. وهو لم يكن يرد العين المتلصصة عليه. لم يهتم. بل أصبح يزيد من حركاته الأنثوية متعمداً. وكان يدرك بفطرته أن مايلفظه الناس اليوم، ويرونه عيباً واعتداءً على الذوق العام، سيقبلون به غداً أو بعد غد.

كانت هموم عوكل محدودة وملتبسة في نفس الوقت. كان يحس أنه يفقد أشياء بداخله، ويغوص في منحنيات أشد تعقيداً من خارطة الأحياء المحيطة به. صار يبتسم أكثر عندما يحس أن بعض من يعرفه يتهامسون حول تبدلاته وتحولاته التي أخذت تظهر عليه كلما أوغل في التفنن الصباحي أمام المرآة. لم تعد فكرة السيناريو تحتمل التأجيل، ولكن ثمة تعديلات جوهرية ستطالها. 

الكتابة من قبل ظهور عوكل شيء، ومن بعد ظهوره ستكون شيئاً آخر. هنا ينتصر النصف الذي يطال صاحب الخمار. والنصف الآخر المتعلق بالجابية لن ينهزم. مايحدث من تفوير في عالمه يستحق الوقوف عليه، ومراقبته، لأن عالم  الحارس الطويل الذي لاينتصر ولاينهزم في معركة حامية وشهوانية يمكن تفصيصه إلى جزيئات، بغية توريده، واطالة أمده، والكشف عن تاريخ  يمكن الشغل عليه في تسجيل الحياة الشخصية لرجل يعيش  تقلبات خطيرة في داخله، يخشى الهزيمة أمامها، ويخشى الانتصار عليها في نفس الوقت.

ألمح عوكل بأنه سيدلي باعترافات مثيرة قبل معرفة سبب التبدّلات المناخية بين حارتين متجاورتين. ولكن الاسطرلاب الشخصي الضاحك خلو أبو نافعة منعه من ذلك حين قرر أن يكتب قصته في مسلسل تلفزيوني جديد. كان رجلاً متحولاً من دون أمل. فقد جرى تعقيم حكايته من دون إذنه، ولو لم يقم الفرنسيون بقصف حي سيدي عامود لما عاش أحداث روايته من جديد. لقد حرمه أبو نافعة من تحولاته، وغيّر من مجرى الزمن في رواية أخرى لم تتناسب مع أهوائه، وطقوسه، واشتغالاته ” البريئة ” على جسده كل صباح.

_____________________________

فصل من رواية  “نقض وضوء الثعلب” الصادرة مؤخراً عن دار كنعان – دمشق.

 

مخرج وكاتب وناقد فلسطيني

 

الصورة من أعمال لاعب الفوتوغرافيا المصري مراد السيد

*****

خاص بأوكسجين