أيها الأزعر الأنيق
العدد 163 | 12 كانون الأول 2014
سحر أبوليل


كيفَ حالكَ يا رفيقَ المدنِ المُنهارةِ على وتر؟

كيفَ حالُ دمكَ الأشعث؟

وقبركَ الأنيق؟

أما زلتَ تحملهُ وتسيرُ فيهِ بينَ النساء الخارجاتِ من لوحاتك، مثل ولدٍ نسي عينيه عند بائعِ السّكاكر؟

أما زلتَ تصافحَ العدم، فيفاجئكَ في العتمةِ بأسنانِ فضّةٍ ويعضّكَ في العنق؟

أما زلتَ تقفُ بعيداً كي تقول لي “في الأربعين ستعرفينَ أن كل الرجال سراب يا امرأة “؟

وأنني أرقّ من أن يحبّني ميّتٌ يكتبُ كي يموتَ مرة أخرى فيزعجني بشخيرِهِ الأبديّ؟

في مرآتكَ..

امرأةٌ بلا ذراعين وناعمة..

بلا زوجٍ وأولادٍ وناعمة..

بلا وطنٍ وبيتٍ وناعمة..

خسرت كل شيء وعادت كي تكون قطعة النقود الوحيدةِ في جيبِ أحبائها..

علّهم يشترونَ الفرحَ لمرةٍ واحدة

في المرآةِ..

امرأةٌ حزينةٌ ولكنها ناعمة..

ووحدكَ من حوّلَ وقتها الصّبار الى عريشة عنب..

نقطة… نقطة

سيبدأ الشّتاءُ بعد قليل..

وسأقطفُ لكَ من يافا قطةَ التعب

ومن وجهي أغنية

وأخرجُ لكَ من قبعةِ الشّعرِ

بدلَ المنديلِ..

حماماً زاجلاً

نقطة..نقطة

ستصعدُ “ياسمين ليفي” على منصة شراييني مثل عامود نارٍ

وسأرقصُ ثم أبكي ثم أحبك

سأحبُّ كلَ منكرٍ وأحبك

سأقضمُ في العتمة تفاحةَ قلبي وأحبك

“بيردونو بيردونو”*

أبكي وأحبك..

وأدخلُ في الدّوائر

هذه الدّراقةُ المجنونةُ مخيّلتي..

سأنتشلها من أشجارها البعيدةِ..

وأصنعُ لك ما تحب من المُربى

ثم أعيدها جثةً على شكلِ جيتارةٍ..

أو بوق تصعدُ منه ألحانٌ بنفسجية

والآن..

راقبني جيداً..

مصطبة بيتي خشب

وعتبةُ البيتِ مقبرة

كلُّ امرأةٍ أحبّت شاعراً صارت شجرة

كلُّ صندلٍ تكاثرَ ظلّهُ نَقُصَ قلباً

كلُّ قلبٍ تركهُ صاحبُهُ عَبُسَ..

من مصحفِ شفاهكَ الرؤوم يبدأ المجون

وعلى ريش الورقِ المرتجفِ برداً ووحدة

سأقصُّ الآن غُرّتي..

لعلَ جبينَ الوطنِ يرتفعُ عالياً

وطني..

أهداني كوفيةً ونسيَ أن يهديني وطناً

نقطة..نقطة

وسأذرفُ دموعَ “أبي النّواسِ” المتخفيّةِ خلفَ كؤؤسِ النبيذِ..

دمعةً دمعةً..

وسأخلعُ الفضّةَ عن جسدي..

قطعةً قطعة

وألبسُ خيبتي

نقطة..نقطة

ها هو بحر حيفا يرتدي الآنَ رداءَ الحكيمِ وفي عينيهِ هزائمُ الدّنيا كلّها..

وفي عيني حوريات يصرخنَ من قلبِ زجاجاتِ فودكا..

ظهرُ الموجِ رسائل وقاعهُ حبرُ..

ظهرُ الموجِ نوارس وقاعُهُ مخالبُ مقصوصة..

من هذا البحر تشربُ وردتي..

من هذا البحر أجنُّ وأسكرُ

وأنت هناكَ بعيدٌ بعيد

في باريس..

تحت أضواء “ايفل” الزرقاء تبسطُ نفسك..

مثل نافورةِ عطرٍ تغني

وفي الكرملِ الأخضر

ما زلتُ أبحثُ عن هويةِ غزالةٍ مرَّ الماءُ فوق جلدها وانكسر..

فهذا ليس وقتاً..

هذا ملح

وهذه ليست حرباً..

هذا جرح

وهذه ليست بنادق..

هذه أفاعٍ

كلُّ ما يمرًّ ليسَ وجوهاً..

هذه شواهد

كلّ من دخلَ وقتنا..

 صار رملاً

وكلّ من عرفَ روما..

صار ناراً

هكذا تقولُ قدمي النائمة إلى الأبد..

لذا أحبّكَ كي أظلَّ على قيدِ الامل..

البارحة مثلاً رأيتكَ وأنتَ تنفضُ الموسيقى عن جسدك عندما هممتُ بصعودِ الجبلِ مقسمةً على وصولِ قمةِ التجربة، بكامل أناقةِ البياضِ في ثورتهِ الطيبة،

 فالبياضُ تعلّم ان يكونَ “موديلاً” يا سيدي..

يلبسُ كعباً عالياً،

يرفعُ شعرهُ،

وحينَ يحسمُ أمرهُ..

يترك البساطَ الأحمرَ ويعلق عن سبقِ إصرارٍ بحبِّ مصورٍ بعيدٍ قريب..

ليت الثورات كلّها طيّبة مثل النساء اللاتي يكتبنَ كي لا يقعنَ في فخ الخياناتِ الكبيرة وليتني الآن معك..

أهديكَ جسدي كي أستعيد زهرة ناري و خيالي..

أعطيك يدي فتبني لي بلداً من سُكّر..

أدغدغُ أصابعكَ كي تنهضَ من رمادكَ فترسمني..

أيّها الأزعرُ الانيقُ..

في البيتِ هنا..

تحت قبّةِ الألم..

امرأةٌ قضمت الفئرانُ ثوبها وأعادتها الى الله هكذا..

عارية عارية..

وآلةُ الزمنِ معطّلة معطّلة..

وبين الأوقات التي أجيء أنا فيها..

والأوقات التي لا تجيء أنت فيها..

تمرُّ خردةٌ فوق صدري..

اسمها الذكريات..

فارحمني..

ا..

ر..

ح..

م..

ن..

ي..

أيّها الأزعرُ الأنيقُ

لا تدوّخني بشعر الغزل ..

———————

* “بيردونو” اغنية معروفة لياسمين ليفي”. 

_________________________________

كاتبة من فلسطين

الصورة من فيلم “الخروج للنهار” للمخرجة المصرية هالة لطفي. للتعرف على الفيلم  يمكنكم قراءة  (“الخروج للنهار”..بيت لا يسجن حياة ولا يطلق سراحها) ضمن مواد هذا العدد. 

*****

خاص بأوكسجين


كاتبة من فلسطين