أين أنت يا سبايدرمان؟
العدد 191 | 21 أيار 2016
محمد خضر


تمّ تغيير نغمة المنبه

 

ستؤلمك الأشياء التي تحدث في الحلم فقط..

الأحلام الروائية الطويلة ذات الأحداث التي طالما كنت تنتظرها على عتبة أيامك ..

ستؤلمك وتشعر بهذا جلياً من جعلكة اللحاف عند قدميك ..

صحيح أن صديقك قال أنها : أضغاث أحلام ..

وأن العلماء توصلوا منذ سنوات إلى أن الأحلام هي المقابل الموضوعي

 لدفقة الأمنيات التي تلوح لك من بعيد ..من بعيد فقط ..

لكنك ستنزعج لأن ذلك السرد الفاتن كان حُلماً ..مجرد حلم ..

ولأن  المفسر ابن سيرين سيخبرك عبر

google))

 بأنك ستحصل على مزيد من دنانير الفضة أو فرو ماعز جبلي مدبوغ يدوياً 

..تتفاءل قليلاً مع أن ذلك أقل بكثير من حلمك ….

في المرآة ستجد شيئاً قد تغير في ملامحك

تسأل نفسك بصوت عالٍ : مالذي تغير؟

وتكتشف أنه صوتك!

صوتك الذي كان سعيداً في آخر لقطة من الحلم ..

سعيداً ومدوياً مثل صراخ بطل في أفلام كرتون ..

هذه ضريبة أن أترك الأحلام على سجيتها

دون تشويش مقصود في إشارة العمر

عليَّ أن أهتك هذا السرد السراب

وأتركهُ متقطعاً مثل أحلام الفزع والخوف والأقفاص ..

على الأقل لن يكون ذلك بعيداً عن الواقع

عليّ أن آتآمر مع منبه الساعة

 الذي يرن بنغمة نقار الخشب ..

على رأس الأحلام ..

 

غرفة

 

سأفتقدها غرفتي في الفندق ..

التي صارت مبعثرة تماماً بعد أقل من ساعة..

حميمة تماماً مثل الحبِ من نظرةٍ أولى في الأفلام ..

سأفتقدها ..

بين حقيبةِ اليدِ التي علقتها على مقبض الباب

فمال كتفي ..

وعلامة إتجاه القبلة ..

التي جعلتني أحدقُ في السقف لساعات

وأكتشفُ أنني مركز الكون ..

الدولابُ الذي تركتهُ مفتوحاً طيلة الوقت

لأتخيل الحرية مدلاة من علاقة الملابس ..

والكتب التي نثرتها على السيراميك

كي تهرب المضامين السوداء من شقوق تالفة نحو المجهول ..

علبة البانادول التي اتكأت على بطاقتي الشخصية فشعرت بتحسن ملحوظ ..

عقالي الذي اشتريته مؤخرا ولا زلنا في مرحلة التعارف

الذي تدحرج بعيدا ..بعيدا

حتى توقف على ضفاف الجينز المسجى ..

علبة السجائر وما يتركه الأصدقاء كرديف في الروح ..

موظف الاستقبال- الذي علّم مدير الفندق الأسماء كلها –

لم يسألني إن كنت سأبقى ليوم آخر…

كان يدركُ أن العابرَ لايحسمُ هذه الأسئلة

…………..

اكتفى بتفحصٍ الغرفة في وجهي ..

أغلقها بهدوءٍ ومضى

 

…..

…..

وكما لا أحبُ نهاية الأفلام .. نهاية الكتب ..نهاية القصيدة ..نهاية الصلاحية ..

بنظرة أخيرة ..

أغلقتني ورحلت!

 

 

صدر

 

‎أحاول أن أصل إلى قناعة …

‎بأن صدري سيظل مكانه إلى يوم غد ..

‎هذا الصندوق الذي يكاد يطفح بالتناهيد

‎ ضاقت ذرائعهُ في تبديل ملاذاته …

‎على الأرجح سيهزمني حنين عابر

‎على الأرجح سأفشي للغريبة عن سر دفين، 

‎أقطع الشارع ذهاباً وإياباً

‎وأستثني نصف متر

‎كنا التقينا فيه ذات مرة ..

‎إنها الفجوة التي أشعر بها

‎مع كل خطوة ..

‎على الأرجح أغيّر ترتيب الغرفة

‎حيث ينبغي على الكراسي

‎أن تتحرك بعيدا عن النافذة

‎-لم يعد زمن النوافذ –

‎وعلى اللوحة أن تشرح نفسها للجدران

‎على الأرجح أضعُ إصبعي على مجسم الكرة الأرضية

‎على هذا المكان تحديداً ..

‎هنا بين خطوط الطول ودوائر العرض ..

‎حيث أشاهدني بوضوح !

 

‎سأشعر بي خفيفًا مثل غيمة في نشرة جوية ..

‎على الأرجح سأضعهُ على كرسي تاركا قلبي معلقاً

‎في فراغ مجوف ..مثلما يحب سلفادور دالي ..

‎على الأرجح سأجلس بجواره تاركاً له حرية أن يعود في يوم ما

 

 

وداعاً وحيد القرن

 

الآن صرت وحيداً

وحيداً وطيباً كما كنت

نتذكرك بفخر نحن الذين عاشوا زمنك

نحكي عنك للأحفاد

وكيف كان يمكن رؤيتك مباشرة

وأنت بكل تواضع ووقار

في حديقة الحيوان

كيف كنا نتابعك في مسلسل الكرتون

وفي لحظات مطاردتك

في الأدغال والمروج ..

الآن صرت وحيداً أكثر من مجرد قرن

أكثر من كناية الاسم

أكثر من تخيل أكفنا على جلدك الذي ظننا أنه من الحديد الخام ..

الآن سنتأمل انقراضك جيداً ..

نعرف كم تسببنا في ألمك ..

كم كان توجسنا خطأً ..

وكم كان خوفنا منكَ بلامبرر ..

كم كنت بريئا ومسالماً ووحيدا

الآن سنعرف …

ونحن نحدق في شاشة التلفزيون ذاتها

المليئلة بالإنسان الوحش!

 

 

 

 معتقدات

 

طفل عالق في الدور الرابع

بقيت قدمه اليمنى في سياج البلكونة

بينما تدلى جسمهُ بالكامل إلى الشارع

في البدء قال أحدهم : إنها كاميرا خفية..

بينما عابر مرَّ بالصدفة

ولأول مرة في حياته من شارع فيصل

قال إنه طفل معنّف ..

واحدٌ تخيل صوت إسعاف من بعيد

مجرد تخيل ..

لأنه كان يحلم منذ طفولته أن يلبس خوذة رجال الإطفاء ..

الطفل يتدلى كأنه لقطة في السينما ..

خصوصا عندما يتوقف الأمل على جودة صناعة الجوارب التي يرتديها

وهي تتمزق قليلا في القدم العالقة !

الطفل يتدلى والناس تدخل من العمارة وتخرج ..

وبينما هم في مشاورات عن كيفية تحديد الشقة ..

وماذا لو كانت شقة عائلة والرجل غائب عن المنزل وهل سيمكن طرق الباب بدون مشاكل اجتماعية !

أو أنها شقة يستأجرها أجانب يعملون في الشركة المقابلة ..

……….

………

الطفل يصرخ من أعماقه بوضوح

أين أنت يا سبايدرمان!؟

 

 

 

 

لقاء

 

أخيرا كان علينا أن نختصر

كل هذه السنوات في ركنٍ صغير..

كان على الوقت أن يسدد نحوي طلقةَ الحياة ..

كان على الدهشةِ أن تكون على الهواء مباشرة

أخيرا عرفنا أن المسافةَ نسبية جدا

..أن الطاولة التي بيننا قد تعادل أن تكوني في  آخر العالم ..

أخيرا  قمنا بهزيمة الحنين وبخدشٍ واضحٍ في الوجه 

عرفتُ سر يديك ودمغتها الفارقة على الأشياء

كيف تلمسُ كالحواة وتخرجُ العبارة الحيّة من العبارة الميّتة ..

أخيراً -لو لاحظت-

 كانت الحياة تصفقُ لنا بصخب  وحماس

حتى أن النادل استدار فجأةً وكان يغبطُ فنجانَ القهوة الذي طالما كان جامداً وحيادياً

أخيرا نجحَ المخرجُ في أن يجمعنا مع القدر في  صورة ملونة واحدة

أن يبدأ القصةَ كما يجب

ومن زاوية حانية ؛

خصوصاً وأنت تتذكري كيف ابتدأنا كتابة الرسائل من درجة الصفر..

كيف قاتلنا من أجلِ حفنة هواء

لم أكن منتبهاً تماما

كنت أقرصُ المسافات لأتاكد من موتها ..

أختزلُ اللحظة وأحاول جمعها في عبارة دارجة بلهجتك المحليَّة…

كنت هناكَ أمامَ هذه التي طالما حَفظتني عن ظهر قلب !

……..…

بكفين متشابكتين

نكالاً بالحياة المهدرة!

 

*****

خاص بأوكسجين


شاعر وكاتب من السعودية. من إصدارته الشعرية: "مؤقتاً تحت غيمة"" 2002، ""صندوق أقل من الضياع"" 2007، ""المشي بنصف سعادة"" 2008، ""تماماً كما كنت أظم"" 2009. وله رواية بعنوان ""السماء ليست في كل مكان"" 2011."

مساهمات أخرى للكاتب/ة: