أنا مع العروسة “زفة اللاجئ وموكب تهريبه..”
العدد 164 | 31 كانون الأول 2014
زياد عبدالله


سيتحول ما يطلق عليه “هجرة غير شرعية” إلى زفة عرس، ولن يكون الفيلم الوثائقي “أنا مع العروسة” إخراج كل من الفلسطيني السوري خالد سليمان والإيطاليين غابرييل دل غراندنه وانتونيو آوغليارو توثيقاً فقط لتلك الهجرة أو اللجوء بل تورطاً إن صحت الكلمة، وذلك من خلال عملهم ومشاركتهم في تأمين وصول خمسة لاجئين سوريين وفلسطينين إلى استوكهولم انطلاقاً من ميلانو الإيطالية.

سيكون هذا التورط معبراً يحمل المخاطرة لتوثيق الهجرة وحركة اللجوء التي  تشهدها أوروبا وخاصة مع الحرب في سورية، بحيث تتخطى الوثيقة التي يقدمها الفيلم توثيق هذا اللجوء والسبل والوسائل التي يتم من خلالها، إلى ابتكار صنّاع الفيلم حيلة تتمثل بأن يقوموا بتحويل الرحلة التي سيمضون فيها من إيطاليا إلى فرنسا فألمانيا ومن ثم السويد، إلى زفة عرس، وذلك لتحويل أنظار دوريات الشرطة عنهم، وتخفيف مخاطر اكتشاف أمر هؤلاء اللاجئين واكتشاف من يساعدونهم وهم ليسوا إلا صنّاع هذا الفيلم وأصدقاءهم المنتشرين في أوروبا، إذ إن اكتشاف أمر مساعدتهم لمهاجرين “غير شرعيين” سيقودهم إلى السجن لا محالة.

يحمل الفيلم مستويات توثيقية متعددة، لها أن تتحالف مع بنية تشويقية أيضاً، كون المشاهد سيكون معنياً ومشدوداً إلى ما إذا كان أمر وصول المهاجرين إلى ستوكهولم سيكلل بالنجاح؟ طالما أن هناك عوائق ومخاطر كثيرة لها أن تطالعهم، لا بل إن في الأمر مغامرة ولموكب العرس أن يمضي على الطرقات وسيارة تسبقهم تكشف لهم الطريق، كما أنهم سيعبرون سيراً على الأقدام الممرات الجبلية بين إيطاليا وفرنسا.

سنعاين في الفيلم شخصيات اللاجئين وشذرات مما عايشوه في سورية، وصولاً إلى المخرج خالد سليمان الذي يأتيه خبر حصوله على الجنسية الإيطالية مع انطلاقة الرحلة، كما لكل من اللاجئين قصته المتعلقة بركوبه قوارب الموت، كما يروي أبو منار كيف ألقى بولده منار في القارب وراح يمضي يلحق به في البحر وكيف تمكن في النهاية من الوصول إليه، ولعل أكثر القصص ايلاما تلك التي يرويها “العريس” وقد غرق القارب الذي أقله وكيف أمضى أياماً في البحر وكيف ألقي مع جثث الغرقى حين انتشاله، وهو يروي ذلك بينما يكتب أسماء الذين قضوا غرقاً – ومنهم عائلات بأكملها – على جدارن البيت المهجور الذي يمرون به أثناء اجتيازهم الحدود الإيطالية الفرنسية.

الفيلم محتشد بلحظات الترقب، والحزن الساكن القلوب الذي يفارقها وسرعان ما يعود، وإلى جانب ذلك يأتي الفرح أيضاً، والغناء والسهر وغير ذلك من عتاد الفرح أثناء رحلتهم. إنه وثيقة إنسانية في النهاية، محتشدة بالحياة أولاً، إنه عن بشر لا يريدون إلا أن يعيشوا بكرامة، وإن كانت الحدود والجنسية عائقهما نحو تحقيق ذلك، فها هم صنّاع هذا الفيلم يذللون هذا العائق أولاً ويوثقون ذلك في فيلم، في انتصار لعبارة محمود درويش “كل قلوب الناس جنسيتي فلتسقطوا عني جواز السفر”.

___________________________

روائي وشاعر من سورية صدر له شعراً “قبل الحبر بقليل” 2000، و”ملائكة الطرقات السريعة” 2005. من رواياته: “بر دبي” 2008، و”ديناميت” 2012. 

الصورة من أعمال التشكيلي الفرنسي جورج رووه (1871 – 1958م)

*****

خاص بأوكسجين


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.