أنا مشروع حقد
العدد 144 | 09 كانون الثاني 2014
إليانا بدر


أردت أن أخلع قلبي الصدئ الذي يقرع كجرس، عينايّ اللزجتان من كثرة الموت، أردت أن أخدش المساء بضحكتي التي أحبّ، إلا أن هذا العتم عدائيّ أكثر مما يحتمل. عدائيّ في عالم بائس، أخبو فيه نصف عارية، ملفوفة بشال امرأة أخرى. أنا مشروع حقد.  

أحقد على نظاراتي الشمسية، على التنانير الضيقة والفتيات المشغولات بالتبرّج، على جاري المنغمس بلوحة، على الصبّار الذي لا يذبل، على أمي لأنها تسألنا كل مساء “كيف كان يومكم؟” . أحقد على السيارات السريعة والطعام الفرنسي، على الرسائل التي تتناسل في البريد، على عملي لأنه يتكوّم وكأن حرباً لم تقع، على الضيوف الذي يتابعون زياراتهم كقطار لعين لا يتوقف، على المسافات والثورات والرجال المؤمنين بالله. أحقد على الله. 

أحقد على كل امرأة ما زالت تحلم بجنين طري كحياة، تهبه أسماء قديسين حتى تحلّ المجزرة، فيتفتّت أمامها رقماً. أحقد على كل من يتنشق هواءً نظيفاً، على الأمل الذي يتسرّب إلينا، على “السارين” لأنه لم يضرب الكوكب بأكمله، على المقاهي النظيفة والملاعب الرياضية، على فريق برشلونة الذي يشبه قطعة حلوى مشبّعة بالدسم. أحقد على المناديل المعطرة والمساحات الشاسعة، متران في الأرض يكفيان لصناعة حفرة، متران لا أكثر.

أحقد على صديقي لأنه لا يفرح بصوتي، صديقي الذي مات أكثر من مرة، أحقد لأنه لا يشتاق إليّ كحياة، لأنني لا أعرف من أين ابتاع هذه الحياة. أحقد على الحياة، على الناس الهادئين، على اللاجئين، على الأموات لأنهم لم يتحولوا إلى آلهة. أحقد على الطلقة التي أضاعت جمجمتي، على جدتي كيف لم تعلّمني الزغردة، على الصيف لأنه لا يبكي، على الخطابات والاستنكارات و”الستاتوسات” والقصائد، أحقد على العلاقات الجنسية والملاءات النظيفة، على الأغاني والطرق الجبلية، على الأرصفة والنفايات. أحقد على هذا النص.

 أحقد على اسكندر المقدوني ونابوليون ودالي وماركس وهتلر والليدي غاغا، على النشيد الوطني الذي يجب أن يكون “سكابا يا دموع العين”. أحقد على التفاهة التي أكتبها، على الكنيسة والنبيذ والزواج، على الرقصة التي أفوّتها كل مساء، على محمد منير لأن الحياة ليست ريشة في هواء، الحياة ثقيلة كزئبق، كصوت “يمنى” التي أخطأها الموت وراحت تصرخ “أنا عايشة عمو.. أنا عايشة”. 

أحقد على النباتيّين، فليتحوّلوا جميعهم إلى أكلة لحوم بشر، عندها سأتوقف عن تبديد كل هذه الترهات، وأكتفي بالحقد عليهم. 

.. الموتى يفرّون مني كخفافيش،أنا الكهف، كهف حاقد. 

_____________________________

كاتبة من لبنان

 

الصورة من أعمال لاعب الفوتوغرافيا المصري مراد السيد

*****

خاص بأوكسجين


مساهمات أخرى للكاتب/ة: