أنابيب مصل بين أسنان القطط
العدد 187 | 07 شباط 2016
فراس سليمان


كلّه ملامح تتمزق

الفكرة سليلة ثقوب، شيء منقّب يستدعي المدوّر الناقص. الأنفاس التي يقترحها التجريد، تختلط بعنف دون أن تتحوّل إلى أبخرة.

أما الأشياء فعارية تشكّل أسماءها على مهل. مثلاً كومة نظارات سوداء في صالةعرض، إطارات سوداء تتخللها الأنفاس.. ذاتها.

ثمة لحم ها هنا تضج منه عِقدُ فصول معقّدة. الشمع لايستحق الوصف،سيدعه الرجلُ يذوب في النص أو سيجرّب قول تماسك نثراته. لا..لا بالطبع لأن الموسيقى الهادئة التي تتخاصر مع جوهرية المكان تخرّب ذهابات جسده إلى جمال المشّوش. كأن المشوش جذور ضاربة في الزمن، وحده يراها. لا هذه المرة لن يبكي لأنه انحرف خاسراً لذة القطف. 

 

الرجل في السنة القادمة، ببطء من لم يسعفه الموت، ينظّف فمَ فكرته من القروح والدم والنمل.  يرقب حياته في المرآة مكتظةً بأصوات لا تحصى.

فمها حرّيف.. شفتاها تقضم الطيور الصغيرة حول عضوه. امرأة من شفتين وذاكرات مسروقة تزحف إلى الأسفل

امرأة تعالج نتوءات جسده.. تزحف إلى الأعلى تعصر غمامة جسده.

 

ما الذي يدفعه بجنون ليمدّ يده إلى الطاولة الصغيرة ليمسح ما اقتنع أنه دخيلته التي تتداعى وتتسامق في مربع الطاولة البخاري.

رذاذ ضوء على النظارات. حقيقة لم يكن ثمة أشياء  كهذه.. فقط شيء يخرج من حجاباته، من ثقوبه، شيء بثقوب يستدعي المدوّر الناقص.

فكرة تسوّي النتوءات.

 

نهداها أيضاً ماض وحاضر منقطعتان، يصلحان، كما رأى، لسدّ هاويتين هائلتين في جسد فكرة صنعها ميكانيكي فاشل في ورشة ملآى بسماوات معطلّة. نهداها تلتان من الوقت.. صفير قطار في بريّة أهداه إياها صوفيّ عتيق. 

هو ليس جسداً يرغب…… فقط كله ملامح تتمزق.

 

 ما يفكّر به.. العتمة التي امتصتها أصابع متشابكة.. أصابعها أصابعه…. الأفاعي الصغيرة الملساء داخلةً خارجةً من الجراح المفتوحة للنظارات.. من لحم أمكنة متجمدة في ذاكرنه أخذت تذوب نتفاً.

 الرجل في السنة القادمة، ينشّف المني من على شرشف شفيف يفصل السنوات عن بعضها.. رجل يرتق حرماناته بمزق أمكنة  تنسدل أمامه كيفما اتفق.

يصعب التمييز بين القبل والبعد.. بين البراغي وأرجل الدجاج وقطع القماش الملوثة بدم الحشرات في عمق الآهة التي ليس لأحد أن يتقصّى منسوب الخداع فيها.. الآهة التي يدوي ندمها.

الشرشف مليئ بالثقوب، وأكثر سيولة من الأفكار الملساء على إطارات النظارات.

السرير تحت الأرض بمترين. السرير في غواّصة في الطابق الثالث. المرأة تصفع عانتها بالمانغو وظهره بالغيوم. الغرفة حفرة مكتظة بالتلفزيونات. المرأة عارية على طرف السرير، تزيح رائحة دموعه بملقط شعرها. فجأة وبخطوتين إلى الأمام ثم إلى اليمين وبحركة خفيفة وبطيئة تلفّ عدداً كبيراً من الشاشات، ثم ترميها عليه.هو النظيف من النتوءات، هو النتوء اﻷملس المنتصب في لحم اللحظة العفِن.

 المشاهد جرائم ستغسلها عاملات جئن من البعيد.

(تمّ إنجاز الرؤية عبر عدسة تشبه ساعة معطلة)

***

 

سمكة مؤجلة

التواشج معي لن يتحقق. اكتشفت.. تأكدتُ.. عندما شممت رائحة الله في المسمكة.

كنت هناك منذ ثلاثة أعوام، تذكرت الهناك وأنا في بيتها  “لم يكن بيتها” كانت غرفة في فندق من الدرجة الثالثة.. أقصد في بيت طبيعة ملآى بالآلات والزمن. 

 حيث في لحظة واحدة ممتدة ولاترحم.. سقطت الضجةُ

 ماذا تفعل الذاكرة  في أروقة المشافي. ماذا يفعل الموتى في أروقة الحرب… ولماذا الغرف مصفوفة في نهاية الوقت.. لماذا  زئير الأطباء.. المرضى لا يخفت؟

قلتُ

 

أحب مشهد أنابيب المصل بين أسنان القطط. والخطوط الحادة في صوتك وهي تقلّم الألوان. ومجانيةَ الأشياء بعد الاستعمال.

 

قالت

أحب الأقمشة تتدلى من صوتك.. أحبّ ماءك في عيني.. أحب أرياشَ لغتك تتطاير ثم تنقش نفسها طيوراً حجرية في أقبية ذاكرتي.

ما حاجتي لك

ما حاجتي لي أنا التي سأموت بطعنة طائشة… تلويحة طائشة؟

بواحد من مخالب ظلالكَ

 

أعرف

دم كثير في مياه الموسيقى

الجسد حجّة الكتابة.. أعصابها المتوترة

لا أعرف.. يرهقني هذا الرماديّ الذي ﻻيني يعصف.. يتلون

صمتك.. شفة الليل المتشققة يتدلى عنها قمر مريض

 

قلتُ

ينبغي أن تنامي

عيناك تهذيان

ثم فجأة…. الفجر قماشة.. ستارة فاضحة طواها إله مستعجل

هكذا في ال هنا على حافة عرينا الروح مجرد كلمة، سمكة حقيقية مؤجلة.

***

 

رجل وامرأة في الغابة

كما في اللوحات الكلاسيكية أحياناً بأزياء تعود إلى مستقبل لن يأتي، يقف رجل وامرأة في ليل الطبيعة، وعلى الطرف الأيسر من اللوحة سور خشبي ـ يحيلني شخصياً دون سبب منطقي إلى الخضرة المغشوشة في الفناءات الغامضة للأديرة ـ هل أنسى، الخلفية المشحونة برماتيزم الأشجار المؤجل لونها إلى طبيعة أخرى، وأيضاً السماء بدكنتها المائلة على المشهد كله.

 

في الغابة.. في بريّة نزوعنا لأن نكون. قدمها اليسرى في حضني طير أحمر  في خيال حشّاش.

ليست لوحة.. فقط سكّر أسمر يفور من تغضنات اللغة بطريقة أخرى. جنس تكلّس في استطالات  سترصدها العين في بلاد أخرى.

جسد يتمطى في رأس غوغان.

فوران النمل..جذع الشجرة.. الصخور.. كل شيء هنا يساعد على فقد الذاكرة

تكذبين أكثر مما تتذكرين

تؤليفين ندمي عندما تتذكرين

 

الطيور العمياء لاتعلق باللوحة تهجّ دون سبيل لتنتهي ملتصقة بالزرقة

 

لأنني قبضت بيدين شريرتين على أعشاش حنينها أعرف أنها تحب البحر أكثر من الغابة

.. اللانهاية صافية.. الخلاص من الظلال

يهبّ الجسد مشحوناً بالأرياش على صخرة خارج اللوحة.. يحدث أيضاً أن المرأة في لجّة الأشجار تتعرى تاركة للنمل الذي يخرج من أوكار الغيب ينهش نهديها. بينما أنا أخوّض في الماضي والمستقبل في آن، غير قادر  أن أهدّئ من اللحظة التي تتفشى.. النشوة الذروة التي لن…………..

______________________________

شاعر من سورية مقيم في الولايات المتحدة. صدر له العديد من المجموعات الشعرية منها: “المدينة التي أسكنها بعيداً” 1989، و”رصيف” 1992، و”هوامش” 1995، و”امرأة مرآتها صياد أعزل” 2004، ومجموعة قصصية بعنوان “الأشعث والرجل الضليل” 1996.

الصورة من فيلم “مكبث” 2015 ، إخراج جاستن كارزل.

*****

خاص بأوكسجين


شاعر من سورية مقيم في الولايات المتحدة. صدر له العديد من المجموعات الشعرية منها: "المدينة التي أسكنها بعيداً"" 1989، و""رصيف"" 1992، و""هوامش"" 1995، و""امرأة مرآتها صياد أعزل"" 2004، ""نهايات معطلة"" 2015، ومجموعة قصصية بعنوان ""الأشعث والرجل الضليل"" 1996."