أقلام الغواية
العدد 208 | 19 آذار 2017
أمل اسماعيل


قال لي مرة بأنه يتخيل السيجارة امرأة جميلة تتثنى بين أصابعه، ثم يقبلها فتزداد إثارة إلى أن تحترق وتتلاشى شيئا فشيئا على وقع أنفاسه. هذا بالضبط ما يجعل السيجارة فاتنة، وشهية، ومغرية، عندما يختطفها من علبة السجائر، تبدو كعذراء في خدرها، وينتهي كل شيء بسرعة فلا يمنحه ذلك إلا مزيدا من الغرق في حب أخرى، وأخرى، وأخرى…

أستطيع أن أفكر بالطريقة ذاتها مع الأقلام -أقلام الرصاص بالذات- تلك المخططة بالأصفر الفاقع والأسود، التي تذكرني برغبتي الملونة في تقبيل الحياة وتلك السوداء في الارتماء تحت قدمي الموت، تماما كما أعدم ذلك الرجل الفرنسي عام 1310م لارتكابه فعلا شيطانيا بارتداء الثياب المخططة[1]، أو كما فعلت غبرييلا شانيل بجعلها من الملابس المخططة موضة عام 1917.

فكر في قلم رصاص أنيق، ممشوق القوام، حاد من أحد طرفيه، وأملس مدور متورد الخد من الطرف الآخر، ثم ها أنت تحظى به بين يديك، صوت صريفه الحاد، انكساره، ثم إعادة بري القلم من جديد، ها أنت تدخل رأسه في المبراة، تقشر تلك الملابس المخططة وتعري جسده المكتسي بسمرة حسناوات البحر، تدور تشكيلات الخشب كتنانير الصوفيين وتدور وتدور، إلى أن تنهي دورانها باستحسان ما وصلت إليه من نتيجة؛ ها قد عادت حادة مجددا.

قل لي، من يرغب في امرأة باردة! ولا أنا، الجميلات جامحات على الدوام! وأقلامي كذلك!

ربما سيجارته تساعده على نفث خيوط ودوائر يكورها بشفتيه المتعبتين، بينما تضغط أصابعي على رأس القلم فتنسكب الكلمات على البياض، ويولد النص بعد اكتمال دورة التعب.

قد تنتهي من حالة التعلق بهذا الجسم المخطط سريعا، أو قد تعاشره أياما طويلة، هذا يعتمد على جهدك، لذة قلم بين يديك ليست كلذة سيجارة عابرة؛ القلم يرسم لك خط الحياة، بينما تجهز لك السيجارة نعش الموت.

لكن دعنا لا نحلق بذواتنا عاليا، ولا نجمح بخيالاتنا، فلنمسك بسيجارة كأننا ندخن الحقيقة، ولنمسك بقلم لأننا نبحث عن الحقيقة.

__________________________________________________

[1]حكم بالإعدام على رجل فرنسي عام 1310م لارتدائه ملابس مخططة، حيث كان يعتقد في تلك الفترة بأن الملابس المخططة هي مرادف للشيطان، ولكل المعاصي والذنوب والرذائل (مصدر: A history of stripes in fashion


كاتبة فلسطينية مقيمة في دولة الإمارات.